شهدت الأسواق المالية الآسيوية والعالمية انخفاضات غير مسبوقة تجاوزت 13 % في أسوأ انهيار منذ عام 1997م، شبح الانهيار يلاحق جميع البورصات في العالم التي تشهد تراجعات حادة وسط تخوفات من أزمة مالية عالمية جديدة، أيضًا العملات تهاوت والنفط والذهب في أدنى مستوى له منذ ثلاثة أسابيع والنزيف مستمر.
إن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب صاحب أقوى اقتصاد في العالم ومن يمتلك الدولار العملة الأقوى بفرض رسوم جمركية على أكثر من 180 دولة أدى لأزمة عالمية جديدة، فالخسائر التي تجاوزت 5 تريليونات دولار، ستتسبب في حدوث ركود عالمي جديد، وحركة التجارة ستتوقف، حيث إن الدول الكبرى مثل الصين وكندا قامت بتطبيق المعاملة بالمثل، أي بفرض ضرائب على المنتجات الأميركية في تحد واضح لقرارات ترامب، وهو دليل واضح على أزمة عالمية جديدة. هنا نشاهد أن كل طرف وضع قيودًا تجارية على حدوده، ما سيتسبب بوقف الإمداد والاستثمارات الخارجية للعديد من دول العالم، ومن الطبيعي أن يقل الطلب على السلع من الخارج. أما الرد الصيني ففاجأ العالم، فحجم تجارة الصين مع العالم يتجاوز 6 تريليونات دولار، وهي أكبر دولة لديها تجارة مع العالم، حيث إن صادراتها تجاوزت 3.5 تريليونات دولار، وهي التي تغذي العالم بمعظم احتياجاته، وبالمقارنة مع الولايات المتحدة الأميركية التي بلغت صادراتها 2.2 تريليون دولار فنجد أن الصين في رأس هرم الاقتصاد العالمي. أيضًا الصين تصدر للولايات المتحدة الأميركية 430 مليار دولار، في حين أن صادرات أميركا للصين بلغت 150 مليار دولار، وهذه الأرقام توضح وجود عجز لدى أميركا، فهي مضطرة لدفع أكثر من 280 مليار دولار للصين وهو الفرق بين الصادرات والواردات بين البلدين.
لهذا نجد الرئيس الأميركي يقول دائمًا إنه يعيش في عجز، فأميركا تستورد من الاتحاد الأوروبي 500 مليار دولار في حين أنها تصدر لها 300 مليار دولار، فنجد أن العجز الأميركي مع الصين ومع أوروبا والعديد من دول العالم.
وفي تحول خطير نجد أن مجلس الدولة الصيني خرج ببضع قرارات انتقامية، أولًا فرض المجلس ضرائب جمركية على الصادرات الأميركية بنسبة 54 %، تنفيذ هذا القرار يبدأ من تاريخ 10 أبريل، في حين قرارات الرئيس الأميركي ترامب ستبدأ منذ 9 أبريل، بهذا تشعر بأن الصين تعطي ترامب فرصة لإعادة التفكير بقراراته.
تحديد ترامب 9 أبريل كتاريخ لبدء تطبيق فرض الضريبة كان بهدف إتاحة الفرصة للدول التي تريد التفاوض للجلوس على طاولة المفاوضات، لهذا هو لم يطبق القرار في نفس الوقت، بل أفسح المجال للدول الراغبة بالتفاوض.
القرار الثاني لمجلس الدولة الصيني كان فرض عقوبات على 16 شركة أميركية، حيث تم حظر التصدير لها، وأيضًا تم منع التعامل مع 11 هيئة أميركية بالنسبة للسلع الاستراتيجية والسلع الأساسية، في حين ركز القرار الثالث على منع تصدير المعادن النادرة التي تدخل في صناعة الطائرات والبرمجيات والصناعات الحديثة والصناعات التكنولوجية.
أيضًا قامت الصين باتفاقيات تجارية بينها وبين كوريا الجنوبية واليابان وهما من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، فتم الاتفاق على أن تتم إزالة جميع العقبات التجارية فيما بينهم لتسهيل الحركة التجارية.
إن قرارات ترامب المعادية للعالم ليست قرارات حكيمة، فخوض حرب على جميع دول العالم بما فيها الدول الصديقة أي الحلفاء أمر نهايته محتومة وهي الخسارة على جميع الأصعدة. أيضًا لعب الرئيس الأميركي دور الضحية في تبرير قيامه بفرض ضرائب عشوائية على جميع دول العالم في حين أن الخاسر الأكبر هي الشركات الأميركية والاقتصاد الأميركي فهو الذي يطالبها بالعودة والعمل في الولايات المتحدة الأميركية.
هذه الشركات التي انتقلت للصين وفيتنام والاتحاد الأوروبي والدول الآسيوية للاستفادة من العمالة الرخيصة والهدف الخروج بمنتجات ذات أسعار تنافسية.
هدف ترامب هو إرجاع الشركات الأميركية إلى السوق الأميركي للاستفادة منها، حيث إنها ستساهم في توظيف العاطلين في الولايات المتحدة، لكن هذا الأمر لن ينجح حيث إن المواطن الأميركي لن يقبل بالمبلغ الزهيد الذي يحصل عليه المواطن الآسيوي، وبهذا ستضطر الشركات لرفع الأسعار التي ستخرج الشركات الأميركية من المنافسة العالمية، أيضًا ستسبب بدورها ضررًا على المجتمع وتضخم الأسعار وإفلاس الاقتصاد الأميركي.
إعلان رئيس وزراء بريطانيا أن أوروبا لن تقف مكتوفة اليد أمام الضرائب التي أقرها دونالد ترامب تحول واضح لموقف الحلفاء ورفضهم الواضح للقرارات الأميركية.
الخاتمة
الأحداث العالمية من أزمات اقتصادية وحروب في الربع الأول من 2025 ما هي إلا نذير شؤم على العالم، وحان الوقت لتركيز الحكومات على أمنها الداخلي وأمنها الغذائي.
كاتب بحريني