العدد 6002
الجمعة 21 مارس 2025
تحديات الأمن السيبراني (1 - 2)
الجمعة 21 مارس 2025

العقل البشري أنتج لنا الثورة التقنية التي أخذتنا إلى آفاق بعيدة في شتى مناحي الحياة العملية والشخصية. وبفضل هذه الثورة التقنية، ازدادت المعرفة البشرية وتنوعت وأينعت وكان الحصاد كثيرًا ووفيرًا لدرجة التشبع في الكثير من الحالات.
ومما لا شك فيه أن القانون لعب دورًا مفصليًا في تحقيق الفائدة الفعلية بل العملية من الثورة التقنية. وهذا بدأ بتحرك منظمة الأمم المتحدة بتكوين لجنة خاصة لشؤون القانون الدولي للتجارة، والمعروفة اختصارًا بلجنة “يونسيترال”.
من ضمن المهام القانونية الهامة التي باشرتها هذه اللجنة وضع الأسس القانونية للاستفادة من الثورة التقنية. وكان هذا إنجازًا قانونيًا عظيمًا خلق ثورة قانونية مماثلة للثورة التقنية واستحدث مبادئ قانونية جديدة قلبت قواعد الإثبات وأتت بمبادئ جديدة لم تكن متوفرة، بل لم تكن في الحسبان حينئذ.
المبادئ القانونية الجديدة التي أتت بها لجنة “يونسيترال” تتمثل في “المعاملة المثلية”، أي مبدأ المعاملة بالمثل. وهذا يتمثل في معاملة المخرجات والمستندات الورقية الصادرة من الأجهزة التقنية نفس معاملة المستندات الورقية الأصلية. إن المستندات الورقية الصادرة من الأجهزة التقنية بطبيعتها غير أصلية، أي “نسخ”، وبموجب مبدأ المعاملة بالمثل، تعامل هذه المستندات “النسخ” نفس معاملة المستندات الأصلية. وهذا يعكس لنا قاعدة الإثبات الأصولية التي كانت تنص على التعامل بالمستندات الأصلية فقط وليس النسخ.
أيضًا، مبدأ المعاملة بالمثل ينص على معاملة المستندات الصادرة من الأجهزة التقنية على أنها موقعة إلكترونيًا ولا تحتاج لتوقيع يدوي. ومن هنا، يتم التعامل مع التوقيع الإلكتروني ويعتبر مثل التوقيع اليدوي. وكانت القاعدة الأصولية في الإثبات تنص على عدم قبول المستند إلا إذا كان موقعًا باليد ممن أصدره. وهكذا، تعتبر الآلة هي التي قامت بالتوقيع على المستندات المستخرجة منها.
هذه النصوص القانونية الجديدة خلقت ثورة قانونية لمقابلة الثورة التقنية التي عمت العالم. وبموجب هذه الثورة القانونية، تمت الاستفادة من مخرجات الثورة التقنية ونقلها من الواقع العلمي الافتراضي إلى الواقع العملي المطبق. وبموجب هذا، تم تحويل الثورة التقنية من مجرد أفكار نظرية مجردة إلى واقع عملي مفيد للجميع.
ولكن مع انتشار الاستفادة العملية من الثورة التقنية بعد تطبيق المبادئ القانونية الصادرة من لجنة “يونسيترال”، ظهر مارد “الجريمة السيبرانية” الذي أقلق الجميع وأحال العالم التقني إلى عالم إجرامي خبيث. ومن هنا، ظهرت أهمية توفر “الأمن السيبراني” لمواجهة “الجرائم السيبرانية” التي أصبحت أكبر وأخطر تهديد لحياتنا وأعمالنا، والأدلة لا حصر لها ونراها في كل يوم.
المجرم السيبراني “الإلكتروني” يترصد كل التعاملات الإلكترونية ويتابعها بحذر حتى ينقض عليها ويلتهمها كفريسة ثمينة.
 انتهاكات المجرم الإلكتروني لا حصر لها، وقانون الجرائم السيبرانية يحدد الجرائم الإلكترونية ويضع لها العقوبات الصارمة. ومنها على سبيل المثال: جريمة الاحتيال الإلكتروني، التجسس على الآخرين، السرقة، سوء الأمانة، انتهاك الخصوصية، التحرش الجنسي، سوء معاملة الأطفال، تعديل البيانات أو حذفها، إرسال معلومات ضارة، إرسال الفيروسات بأشكالها المختلفة، طلب الفدية، الإرهاب بشتى السبل، وغسل الأموال... وأكثر.
التعامل الإلكتروني، وبالرغم من توفر القوانين الداعمة، يتطلب أولًا توفر “الأمن السيبراني” التام والدرجة الكافية لحمايتك وحماية أعمالك. والحذر واجب في كل خطوة تقوم بها، لأن سيف الجريمة السيبرانية مسلط على الرأس. ولذا، نحتاج إلى خوذة الأمن السيبراني التي يجب أن تكون قوية لحماية الرأس من كل الضربات الإجرامية. ولتحقيق الأمن السيبراني، أولًا وأخيرًا، أنت تعتبر أول سور حمائي وحائط ناري للحماية وحرق المجرم. ومنك أنت، قبل القانون والنيابات والمحاكم، يأتي “الأمن السيبراني” لحماية نفسك وأعمالك أو العكس. فماذا أنت فاعل؟

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية