في كتاب “نقاشات حول ليفي” كتب الفيلسوف الإيطالي مكيافيلي: “التظاهر بالجنون في السياسة قد يكون أمرًا حكيمًا جدًّا.. فالقادة بإمكانهم استغلال هذا المنهج غير المتوقع، لإرباك الخصوم وتحقيق مكاسب”، ومن الواضح أن السياسة الحالية للولايات المتحدة الأميركية التي تبدت ملامحها خلال الأيام القليلة الماضية، ليست بعيدة عن مضمون هذه النصيحة المكيافيلّية، ما يعني أنها في طريقها إلى التغير والانقلاب على ما استقر عليه العالم من قيم ومبادئ وقواعد دبلوماسية وقانون دولي، منذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة وحتى اليوم.
أميركا التي تخيّلها، توماس جيفرسون، كجمهورية فاضلة على الطريقة الإغريقية، تختلف عنها اليوم. لقد حلم جيفرسون ببناء أمةٍ مسالمةٍ متميزةٍ عن أوروبا التي كانت آنذاك متوحشة وغارقة في الحروب الاستعمارية. إلا أن ما حدث في الواقع، هو قيامُ أمَّةٍ محاربة، تحولَّت إلى نسخة من الاستعمارِ الأوروبيِّ، عندما احتلت فيتنام وأفغانستان، ثم العراق.. وعندما مارست ما كان قد عابه جفرسون على الفرنسيين في عهد نابوليون، بمحاولتهم “فرض مفهومهم الخاص للحرية على جيرانهم، وعلى البلدان والشعوب الأخرى”، وحتى المبادئَ المُعلنة من الرئيس ولسون في العام 1918م من أجل السّلام، مثل: “حرية التفكير والتعبير والتجارة والمعتقد وحق تقرير المصير ومقاومة المحتلين..”، لم يعد لها أي اعتبار في السياسات الحالية، خصوصًا عندما يبدأ الغزو وإسقاط الأنظمة والدعوة إلى ضم الأراضي غصبًا عن أهلها أو نقلهم عنوة إلى أراضي الغير، ودعم الاحتلال.
بالتناقض مع مبادئ الحريةِ والاستقلال وشِرعةِ الحقوق والمبادئ التي ناضلت البشرية من أجلها على امتداد القرون الماضية، ولذلك لا نستغرب ما نشهده حاليًّا من جنون السياسات على طريق الفوضى غير الخلاقة!
إن القيم التي تمثل الرأسمال الرَّمزي للولايات المتحدة الأميركية، تدخل اليوم في تناقض مرير مع الممارسات التي شهدها ويشهدها العالم، والتي صبغت القانون الدولي بصبغة ازدواجية المعايير والتعدي على الآخرين وتجاهل القانون الدولي، فأصبحت الشرعية الدولية الوحيدة مجرد صدى لصوت الولايات المتحدة الأميركية وبعض حلفائها، ويتعين على الآخرين الانصياع فقط، إن أرادوا أن يبقوا سالمين. وللحديث صلة.
كاتب وإعلامي بحريني