العدد 5963
الإثنين 10 فبراير 2025
شعارات من دون رصيد!
الإثنين 10 فبراير 2025

 اللغة التي يتم إنتاجها سياسيًّا وإعلاميًّا للتمويه والخداع في الخطابات التي يتم تسويقها هي لغة جوفاء ومحض كلمات لا لزوم لها، لأنها من دون فائدة، تصنع خطابًا أجوف غايته الادعاء والمزايدة والتعمية على الحقائق، وقد تحولت إلى قاموس جديد متداول على نطاق واسع، في المجالين السياسي والإعلامي، فالكلمات الجوفاء الزئبقية المخادعة يختلف معناها عن مبناها، وتدور في فلك الشعارات من دون رصيد في عالمي الموضوعية والنزاهة. من ذلك الحديث عن الحرية في موضع الاستبداد، وعن النزاهة في موضع الفساد، والكرامة في موضع المذلة، والعدالة في موضع الظلم، والقانون الدولي في موضع قانون الغاب، وحق الشعوب في تقرير مصيرها في موضع الاستعباد والتهجير، والحياد في موضع الانحياز للمجرمين، والحقوق في موضع الإنكار والانتهاك.. فتصبح ثنائيات هذه اللغة مجرد أداة للتستر على الواقع الفعلي وعن المواقف الفعلية باستخدام جمل مخادعة وقوالب جاهزة، يمكن أن تؤثر لحظيًّا في المتلقي العادي، لكنها لا تصمد طويلًا أمام الفكر الواعي والعقل العارف القادر على كشف الأكاذيب وفنون الخداع من خلال استخدام الكلمات الخشبية الزئبقية الفضفاضة التي لا يوحي ظاهرها بمعناها بالضرورة.
 صانعو هذه اللغة ومروجوها ومستخدموها، يحاولون تحويلنا عبر الإعلام والسياسات الإجرامية الجنونية، إلى ما يشبه القابعين في كهف أفلاطون، يقيمون فيه مقيَّدين بالسلاسل من سيقانهم ورقابهم، لا يرون إلا ما ينعكس على جدار الكهف من خيالات، ولا يرون سوى ظلال الصور الوهمية، فيكونون باستمرار في ضلال مبين.


 إلا أن لعبة الخداع السياسي والإعلامي الجارية حاليًّا على مسـرح المعركة الجارية بالدم والنار والجوع والموت اليومي والتهجير انكشف انحيازها المكشوف للمحتل المعتدي بلغة هلامية تزين الجريمة وتبررها، وتعتبرها عملًا إنسانيًّا منقطع النظير. وغالبًا ما يتم اللجوء إلى هذه الألاعيب لتحريف الوعي وفرض الغيبوبة، ولكن هذه اللغة ذاتها، ومهما تجملت بالبلاغة والاستعارات والتكرار والعمى الأخلاقي، لا يمكنها أن تخفي بشاعة الظلم والعدوان والاحتلال الذي يتم تجميله بمكياج التزييف والكذب، بدلًا من إنصاف المظلوم وكف الظالم عن ظلمه والمعتدي عن عدوانه.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية