العدد 5961
السبت 08 فبراير 2025
“فلوريس” الأندونيسية تهمس بالفرص
السبت 08 فبراير 2025

تبرز جزيرة فلوريس Flores في جنوب شرق الأرخبيل الإندونيسي، كأرض لم تُكتشف بعد بكامل إمكانياتها الاستثمارية والسياحية. تقع هذه الجزيرة على بعد أميال من صخب جزيرة بالي الشهيرة، لكنها لا تزال تحافظ على عذريتها الاقتصادية، حيث المنافسة لم تبلغ ذروتها، والأسعار لا تزال جذابة مقارنةً بالوجهات السياحية المشبعة.

على مشارف الجزيرة، تقف لابوان باجو (Labuan Bajo) مدينة تتأرجح بين زمنين، حيث تتلاقى القوارب التقليدية بسفن الرحلات السياحية، ويتداخل هدير البحر مع صخب الأسواق، وكأنها نقطة عبور بين عالمين. لكنها ليست سوى مقدمة لمشهد أعمق، إذ ما إن يبتعد الزائر عن الميناء حتى يبدأ الغوص في الزمن المنسي.

في مقهى يطل على الميناء، جلست مع ماركو، مستثمر إيطالي مقيم في إندونيسيا منذ ما يزيد عن عقدين. وهو يتأمل فنجان الإسبريسو، قال: “قبل أكثر عشرين عامًا، كان هذا المكان لا يعرف سوى الصيادين والرحالة، أما اليوم، فالاستثمارات تتدفق كما تتوافد النوارس مع المدّ”.

الاستثمارات الأجنبية لاسيما الأوروبية في فلوريس ارتفعت بنسبة 47 %  منذ 2018، خاصة في قطاع الضيافة الفاخرة، مدفوعة بمبادرة الحكومة الإندونيسية لتطوير “الوجهات العشر الجديدة” كمنافسة لبالي، مع الحفاظ على طابعها البيئي الفريد. ومع ذلك، لا تزال البنية التحتية تشكّل تحديًا، مما يجعل الفرصة متاحة لمن يسبق غيره.

فلوريس لا تزال تحتفظ بإمكانيات استثمارية كبيرة بفضل طبيعتها المتنوعة التي لم تُستغل بالكامل بعد. في واي ريبو (Wae Rebo)، القرية المعزولة بين الجبال، يعيش السكان بتناغم مع البيئة، مما يجعلها موقعًا واعدًا لمشاريع السياحة البيئية التي تحافظ على الطابع المحلي. أما جزيرة بادار (Padar Island)، بتدرجات شواطئها الفريدة بين الوردي والذهبي والأسود، فهي توفر فرصة استثنائية لإنشاء منتجعات سياحية تستفيد من هذا التنوع الطبيعي النادر، مما يجعلها وجهة جاذبة للسياح الباحثين عن تجارب غير تقليدية.

ثم يأتي المشهد الأكثر بدائية في حديقة كومودو الوطنية  (Komodo National Park)، حيث تتحرك التنانين القديمة بثقل الزمن، كتذكير بأن الطبيعة لم تتغير، وأن الصراع من أجل البقاء لا يزال يحكم المشهد. أما بحيرة كيلي موتو  (Kelimutu Crater Lake)، فتأخذ الغموض إلى مستوى آخر، حيث تتغير ألوان مياهها بلا نمط ثابت، وكأنها تجسيد لتحولات الحياة.

عند الشاطئ الوردي (Pink Beach)، حيث يعانق الغروب صفحة البحر، بدت فلوريس كسرّ لم يُفَكَّ شفْرته بعد. في هذا المكان الذي يجمع بين البدائية والسحر، تظل الفرص مفتوحة لمن يجرؤ على الرهان. فهل يكون المستكشف القادم مستثمرًا، أم أن الجمال وحده سيبقى سيد المشهد؟

صحفي وكاتب أندونيسي، مهتم بشؤون منطقة جنوب شرق آسيا، مقيم في كوالالمبور

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .