العدد 5947
السبت 25 يناير 2025
ابتسامات تايلاند تُلهم الخليج
السبت 25 يناير 2025

في زمن يسعى العالم فيه للتغلب على التحديات الاقتصادية وتنوع مصادر الدخل، تبرز تايلاند كقصة نجاح ملهمة، حيث استطاعت تحويل قطاع السياحة إلى محرك قوي للنمو والاستدامة. “أرض الابتسامات”، كما تُعرف، لم تكتفِ بجمال طبيعتها الخلابة، بل أعادت صياغة مفهوم السياحة من خلال مزج التراث بالأصالة والابتكار.

عام 2024 كان شاهدًا على نجاح تايلاند، حيث استقبلت أكثر من 35.5 مليون سائح دولي، متجاوزة التوقعات ومحققة إيرادات تجاوزت 46 مليار دولار أميركي، فيما تطمح استقبال 39 مليونًا في 2025، وفقًا لتقارير هيئة السياحة في تايلاند.

هذه الأرقام لم تكن مجرد مصادفة، بل جاءت نتيجة سياسات مدروسة شملت تسهيل إجراءات التأشيرات، تخفيف سياسات الهجرة، وتوسيع شبكات الطيران، مما جعلها وجهة مفضلة للمسافرين من شتى أنحاء العالم، بما في ذلك أكثر من 350 ألف سائح خليجي، بزيادة بلغت 28 % عن العام السابق. هذا الارتفاع الكبير يعكس فهمًا عميقًا لاحتياجات السياح الخليجيين، بدءًا من تقديم الطعام الحلال، وحتى المنتجعات الفاخرة التي تحتضن العائلات وتلبي متطلباتهم.

ما يميز تايلاند أنها تفهم احتياجات زوارها. للسائح الخليجي، الذي يولي اهتمامًا بالطعام الحلال والرفاهية العائلية، قدمت تايلاند تجارب فريدة تتراوح بين المنتجعات الفاخرة، الجولات الثقافية، إلى الفعاليات الموسمية.

ومع ذلك، لم يكن العام خاليًا من التحديات. انخفاض أعداد السياح بنسبة 5.73 % أواخر العام بسبب الفيضانات كان بمثابة اختبار لمرونة القطاع. إلا أن تعافي تايلاند السريع أظهر قوة بنيتها التحتية ورؤيتها الاستراتيجية.

بالنظر إلى دول الخليج، التي تمتلك موارد طبيعية فريدة ومواقع سياحية متميزة، يبدو درس تايلاند جديرًا بالدراسة. فبدلًا من الاعتماد الحصري على السياحة التقليدية، يمكن لهذه الدول تطوير قطاعها السياحي عبر الاستثمار في تجارب مبتكرة تتناسب مع مختلف الثقافات، وتنمية السياحة البيئية والثقافية.

تجربة تايلاند تؤكد أن السياحة ليست مجرد صناعة لجذب الأموال، بل هي جسر للتواصل الإنساني والثقافي. إنها حكاية تُحكى برؤية متكاملة تجمع بين الطبيعة الساحرة والتجربة الإنسانية. وكما أثبتت “أرض الابتسامات”، النجاح يتطلب استراتيجية شاملة تتجاوز تقديم الخدمات إلى خلق قيمة مستدامة تؤثر إيجابيًّا على المجتمعات المحلية والزوار على حد سواء.

تايلاند، بهذا النموذج، تدعو العالم، ودول الخليج خاصة، إلى التفكير بالسياحة كوسيلة للتغيير الإيجابي، وكأداة قادرة على تشكيل مستقبل أكثر استدامة واتصالًا. فالابتسامة، وإن كانت البداية، لا تكفي وحدها؛ الرؤية والاستثمار هما ما يصنعان الفرق.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .