في العام 2025، تستعد ماليزيا لتولي رئاسة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ما يمنحها الفرصة لقيادة المناقشات الاستراتيجية في القمة المشتركة بين آسيان ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي عُقدت أولى جلساتها في الرياض في أكتوبر 2023.
هذا الدور يأتي في وقت حساس للغاية بالنسبة لآسيان، إذ يسمح لماليزيا بأن تؤدي دورا رئيسا في تشكيل العلاقات بين آسيان، مجلس التعاون الخليجي، والصين وسط ديناميكيات جيوسياسية عالمية متغيرة.
وقد أكد رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، أهمية التعاون الإقليمي، مشيرا إلى الفوائد المحتملة للشراكات الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية بين آسيان ومجلس التعاون الخليجي والصين.
وفي ظل استضافة ماليزيا للقمة المقبلة بين آسيان ومجلس التعاون الخليجي، فإنها مستعدة لتعزيز الروابط بين الأقاليم، خاصة عبر “إطار التعاون بين آسيان ومجلس التعاون الخليجي للفترة 2024 - 2028”، الذي يحدد مجالات التعاون في التجارة، الاستثمار، التعليم، الثقافة، والسياحة.
التكامل الاقتصادي وفرص الاستثمار
تشكل آسيان ومجلس التعاون الخليجي كتلتين اقتصاديتين بارزتين على الساحة العالمية. فآسيان، التي يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي نحو 3.6 تريليون دولار، مع تعداد سكاني يتجاوز 680 مليون نسمة، تمضي قدما نحو أن تصبح رابع أكبر اقتصاد عالمي بحلول العام 2030. وعلى الجانب الآخر، تضم دول مجلس التعاون الخليجي البحرين، والسعودية، والإمارات، والكويت، وقطر، وعمان، بناتج محلي إجمالي يبلغ نحو 2.3 تريليون دولار، وتستفيد من موقع استراتيجي يجعلها مركزا للطاقة والتجارة العالمية.
تعزيز الروابط الاقتصادية بين آسيان ومجلس التعاون الخليجي أدى إلى زيادة في حجم التجارة المتبادلة، حيث وصل إلى أكثر من 100 مليار دولار في السنوات الأخيرة، حيث تتكامل احتياجات آسيان من الطاقة مع اهتمام مجلس التعاون الخليجي بتوسيع صادراته من السلع الزراعية والصناعية إلى جنوب شرق آسيا.
وفي ظل رئاسة ماليزيا، تبرز فرصة لفتح آفاق جديدة للتجارة عبر مناقشات بشأن خفض الرسوم الجمركية، تبسيط الجمارك، والاستثمار في قطاعات التكنولوجيا الخضراء، وهو ما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة لآسيان ورؤية مجلس التعاون الخليجي 2030، التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط.
دور الصين في تعزيز الشراكة بين آسيان ومجلس التعاون الخليجي
تلعب الصين دورا مهما في دعم العلاقات بين آسيان ومجلس التعاون الخليجي، خصوصا عبر مبادرة “الحزام والطريق”، التي دعمت مشاريع بنية تحتية كبيرة في جنوب شرق آسيا. وقد استثمرت الصين أيضا في قطاع الطاقة المتجددة بدول مجلس التعاون الخليجي، ما يفتح الباب لإطار تعاون ثلاثي يشمل آسيان، مجلس التعاون الخليجي، والصين، يركز على التنمية المستدامة.
ويمكن لهذه الشراكة أن تسرّع النمو الاقتصادي وتُعزز الاستقرار الإقليمي، وتضع نموذجا يُحتذى به للدول النامية في التعامل مع تحديات البيئة والتنمية.
وتعد السياحة فرصة بارزة لتعزيز التعاون بين آسيان ومجلس التعاون الخليجي، إذ أصبحت دول آسيان وجهات مفضلة للسياح من دول الخليج الباحثين عن تجارب ثقافية متنوعة وخدمات صديقة للمسلمين.
وتحت قيادة ماليزيا لآسيان، يمكن تعزيز مكانة الكتلة كوجهة سياحية إسلامية رائدة، عبر تشجيع الاستثمار في الفنادق والمرافق الحلال، بما يلبي تطلعات السياح القادمين من الشرق الأوسط، بما في ذلك تسهيل متطلبات التأشيرات وتوسيع الروابط الجوية بين دول مجلس التعاون الخليجي وآسيان يمثلان فرصة لتعزيز التبادل السياحي.
في الوقت الحالي، توفر دول مثل الإمارات وقطر روابط طيران قوية مع دول جنوب شرق آسيا، لكن توسيع هذه الروابط وتبسيط إجراءات التأشيرات يمكن أن يسهم في زيادة حركة السياحة بشكل كبير، ما يعزز التفاهم الثقافي ويولد إيرادات اقتصادية للطرفين.
ولطالما دعمت دول آسيان ومجلس التعاون الخليجي حقوق الشعب الفلسطيني، حيث دعت إلى حل الدولتين ووقف العنف. ومعروف أن ماليزيا تتبنى موقفا قويا بشأن القضية الفلسطينية، ويمكنها استغلال رئاستها لآسيان لتعزيز موقف موحد بين آسيان ومجلس التعاون الخليجي في المحافل الدولية لدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير.
كما يمكن تعزيز التعاون الأمني بين الكتلتين في مواجهة تحديات مثل الإرهاب، القرصنة، والأمن البحري، إذ بإمكان ماليزيا أن تشجع على مبادرات مشتركة لمكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الأمنية، وإشراك الصين في هذه النقاشات قد يضيف بُعدا إضافيا للمناقشات، خصوصا أن الصين أبدت اهتماما بدعم الأمن الإقليمي مع التزام دبلوماسي بسياسة الحياد.
التحديات أمام القيادة الماليزية
إن الرؤية التي تسعى ماليزيا لتحقيقها كرئيسة لآسيان ليست خالية من التحديات، إذ يأتي هذا التوجه الطموح في ظل تنافس شديد بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ما يفرض تحديات على دول آسيان التي تسعى للحفاظ على استقلالها الإقليمي مع استمرار التعاون مع الطرفين.
لذا، فإن رؤية ماليزيا لتعزيز “مركزية آسيان” كمحور للحياد الإقليمي تحمل أهمية استراتيجية، إذ تسمح لدول آسيان بتجنب الانحياز لأي من القوى الكبرى. هذه الاستراتيجية قد تكون عنصرا مهما في ضمان أن تظل آسيان مستقلة في قراراتها، وتتمكن من الاستفادة من التعاون مع الولايات المتحدة والصين على حد سواء، دون التأثير على توازنها الداخلي.
ومع تصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والصين، تسعى دول آسيان إلى استثمار علاقاتها مع القوتين دون الوقوع في فخ الصراع، ما يتطلب من القيادة الماليزية مهارات دبلوماسية عالية.
وفي هذا الإطار، تسعى ماليزيا إلى وضع نهج متوازن يجمع بين التعاون الاقتصادي والأمني، إذ تتكامل الأهداف الاقتصادية لمجلس التعاون الخليجي مع رؤية آسيان للتنمية المستدامة. وتعزيز التعاون في مجالات التجارة، الأمن، والاستدامة البيئية يتيح لكلا الكتلتين فرصا لتحقيق الاستقرار والنمو المشترك، مع القدرة على تعزيز دورهما كلاعبين مؤثرين على الساحة الدولية.
إن تعزيز التعاون الثلاثي بين آسيان، مجلس التعاون الخليجي، والصين يوفر نموذجا للاستفادة من مشروعات البنية التحتية المشتركة، مثل مشاريع “الحزام والطريق” الصينية، واستثمارات الطاقة المتجددة لمجلس التعاون الخليجي، ما يمكن أن يدعم طموحات الطرفين في تحقيق تنمية مستدامة، وتعزيز التواصل بين آسيا والشرق الأوسط، وخلق فرص جديدة للنمو والتقدم.
بروفايل الكاتب
عبدالله أمير الدين عبدالله رسول بوقس، المعروف باسم عبدالله بوقس، هو كاتب وإعلامي وصحافي متمرس يتمتع بخبرة واسعة في مجال الإعلام والترجمة مع خلفية أكاديمية، وهو مهتم بشؤون الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، ويقيم في كوالالمبور.
عمل مراسلا إخباريا في كوالالمبور منذ العام 2008، ويغطي منطقة جنوب شرق آسيا، كما تعاون مع مؤسسات إعلامية عدة في ماليزيا وإندونيسيا والدول العربية، كما شغل سابقا مناصب رئيس تحرير لصحف عربية تصدر من ماليزيا.
ولد في مكة المكرمة، بالمملكة العربية السعودية، في 14 مايو 1982، ويحمل الجنسية الإندونيسية. يجيد اللغات العربية، والإنجليزية، والإندونيسية، والملايوية.
حاصل على درجة الماجستير في الصحافة والإعلام من الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، بالإضافة إلى بكالوريوس مع مرتبة الشرف في الإعلام والاتصال المؤسسي من الجامعة نفسها. وقد أكمل مراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس المملكة العربية السعودية.
عبدالله بوقس عضو تنفيذي في منظمات إعلامية دولية عدة، مثل نادي الصحفيين الأجانب في ماليزيا والشبكة الدولية للصحفيين. وحصل على شهادات تقدير عدة من سفارات ومنظمات دولية لمساهماته في التغطية الإعلامية والفعاليات الإنسانية، وشارك في العديد من المؤتمرات الأكاديمية الدولية وورش العمل المتعلقة بالصحافة، والإعلام، والعلاقات العامة