واضح، صريح، جريء وبراغماتي، ذلك هو رجل البيت الأبيض، أو رجل المرحلة الجديدة في العالم.. عقلية أميركية بامتياز: يملك زمام المبادرة، ويريد أن يفرض أجندته على العالم كله وليس فقط على القضية الفلسطينية. منذ تنصيبه يصول ويجول، يهدّد ويتوعّد، يُمْضي الأوامر التنفيذية بالانسحاب من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومن الأونروا وغيرها من الأوامر، ويَمْضي في طريقه وكأنه الحاكم بأمره في العالم، لكن ما هزّ الوجدان العربي والفلسطيني تصريحاته المتكررة عن الهجرة الطوعية كحل “مؤقت” من أجل إعادة إعمار غزة التي قد تحتاج من 10 إلى 15 سنة على حد قوله.
لا شكّ أنّ دونالد ترامب بهذه التصريحات قبيل استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي قدّم هدية ربما لم ينتظرها نتنياهو ولا بن غفير ولا سموتريش، لكنها نزلت بردًا وسلامًا على قلوبهم؛ لأنهم يعرفون أن الرجل يسبق فعلُه القولَ، وله في الفترة السابقة من ولايته من الهدايا للكيان ما به يستمر لعقود أخرى. هذه التصريحات لا تصب في مصلحة استمرار الهدنة واستكمال مراحلها، بل هي كمن ينكأ الجراح ويصب الزيت على النار، أو كمن يبحث عن حيلة لاستئناف الحرب على غزة. فهذه التصريحات تكشف الوجه الحقيقي والغاية القديمة الجديدة للحرب على غزة وهي التطهير العرقي والإبادة الجماعية أو التهجير القسري للسكان الأصليين للقطاع واللاجئين فيه من خلال حرب مسعورة مدعومة بكل الأشكال من البيت الأبيض مهما اختلف ساكنوه.
مقترح “الهجرة الطوعية” سبقته محاولات الإبادة الجماعية التي استمرّت طيلة 15 شهرًا بقوة الحديد والنار، لكن دون جدوى.
إذْ أظهرت جموع الغزيين وهم يعودون إلى شمال غزة مشيا على الأقدام إصرارًا وعزيمة على البقاء لأن مفاتيح البيوت بأيديهم حتى وإن هدّمت البيوت، وأكّدوا أنهم على مدى عقود من الحرب ضد المحتل قد كذّبوا مقولة بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني بأنّه “إذا مات الكبار فإنّ الصغار سينسون”، لكن لا ولن ينسوْا، ولن تُغريهم مقترحات الهجرة الطوعية من أجل إعادة الإعمار لأنهم قد تعوّدوا إعمار غزة وهم فيها بعد أن تعرضت مرارًا قبل طوفان الأقصى للتخريب والتدمير.
لقد سبق وأن اقترحت الدول الكبرى مع دولة الكيان عام 1956 ترحيل أهل غزة، لكن لم يتحقق من ذلك شيء. واليوم إضافة إلى رفض الفلسطينيين عمومًا والغزيين خصوصًا فكرة الهجرة الطوعية، فقد بدأت تظهر المواقف العالمية والعربية الرافضة لحل التهجير مهما كان مسمّاه ومهما كانت غاياته.
إنّ أفكار ترامب ومقترحاته لا تزيد الفلسطينيين إلا إصرارًا وتشبثًا بأرضهم، لكن قد لا يترك لهم هذا الصلف الأميركي سوى خيار المقاومة بكل أشكالها بالرغم من الدعوات العربية والعالمية إلى التهدئة والتفاوض في إطار حل الدولتين. فهل يتنازل ترامب عن مقترح الهجرة الطوعية؟.