في زحمة المدارس والتيارات الفنية التي وفدت علينا من الغرب بكثافة، تقف المدرسة الحروفية في الفن تيارًا تشكيليًّا عربيًّا خالصًا أثبت أن وراء الحرف العربي صوتًا ومعنى ولغة لا مثيل لها. وقد استمتعنا طيلة أسبوع أو يزيد (من 18 إلى 26 يناير 2025) مع “الحروفية”، حيث أخذنا الفنان التشكيلي التونسي والأكاديمي سامي الفقي في رحاب (شهد رضاب) الخط العربي، من خلال معرضه الفني الشخصي، والذي عُمل خصيصًا لمملكة البحرين برعاية كريمة من سعادة رضا عبدالله فرج عضو مجلس الشورى.
وقد اختار الفنان سامي الفقي لمعرضه عنوانًا ماتعًا شيقًا (شهد الرضاب) استلهمه من أواخر قصيدة رباعيات الخيام التي تجلى حضورها في مشغولاته الفنية وقد تجاوزت 70 لوحة وقطعة خزفية أثثت المكان؛ فشغلت الأبصار، وحركت الأذهان وهزت الوجدان. لقد امتزجت في لوحات سامي الفقي ومشغولاته الخزفية الحروف والأشكال والألوان، وكان لحضور الخط العربي عمومًا والخط المغربي خصوصًا (المجوهر) وقع خاص في لوحاته؛ إذ تمثل هذه الأعمال لمسة إبداع جديدة وتجربة فريدة تؤكد مدى امتلاك الفنان ناصية هذا الفن ومدى قدرته على تطويع الحرف العربي ولفت الانتباه إلى مواطن الجمال والجلال فيه. وحروفيات سامي الفقي على نوعين: فمنها ما هو نصوص شعرية أو حكم، قراءتها ليست باليسيرة كما في لوحة “رباعيات الخيام”، ومنها ما هو حروف فقط تتداعى في المحمل وتتشكل في تناغم وانسجام حينًا، وفي تصارع واصطدام حينًا آخر كما في لوحة (ملحمة الحروف)، ومع هذا وذاك يرتقي سامي الفقي من خلال حروفياته بالذائقة ويشد المتلقي لأن أعماله تتطلب جهدًا بصريًّا وذهنيًّا في متابعة حركة الحرف وتنويعاته وتشكيلاته.
فهو يحث المتلقي على إعمال الفكر وبناء المعنى في تفاعل يعتمد على مدى تمكنه من جماليات الخط العربي.
إن حروفية سامي الفقي تشكيل فريد زاده فرادة اختيار شكل الألواح من الخزف؛ إذ عاد بنا إلى أول التاريخ إلى الرسالات الروحية؛ فكأن ألواحه وقد تشكلت من “معادلة بسيطة وصعبة، قوامها الرسم وأساسها الخزف” وعمادها الحرف، تبعث رسائل سلام فنية عميقة يرتوي منها البصر، وينشغل بها الفكر، وتتغذى منها الروح.
لقد أطفأ الفنان سامي الفقي في معرضه (شهد الرضاب) بلوحاته ومشغولاته الخزفية لظى في قلوب من يتوجعون حرقة وألمًا لقلة الاهتمام بالخط العربي والتهاون في تدريسه في المراحل الأولى من التعليم لصقل الذائقة وتنمية حس الإبداع لدى الأطفال بما يختزنه هذا الخط من جماليات.
كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية