ضمن فعاليات ربيع الثقافة في نسخته الـ 19، وفي أمسية طربية مميزة أمنتها الفنانة التونسية آية دغنوج بقيادة المايسترو محمد الأسود، احتفل مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث بذكرى تأسيسه الثالثة والعشرين، تزامنًا مع موسمه الثقافي الجديد تحت شعار: “من يؤمن بالمستحيل يربح معركة يراها الجميع خاسرة”. وتعود بي هذه الذكرى إلى أول أيامي بمملكة البحرين، في أواخر العام 2004، حين حضرت ندوة فكرية بمركز الشيخ إبراهيم بالمحرق، وكنت حينها لا أعرف كيف أصل إلى المحرق! لكنني وصلت وترجّلت حتى وطأت قدماي ذلك المركز الثقافي، وقد كان مولودًا لم يُتم سنته الثالثة؛ فقد افتُتح رسميًا في 12 يناير 2002، وشدّني المكان بجلال سلطانه الضارب في التاريخ، واستبدّ بي الحوار أتلقّف أطرافه من تداخلات الحاضرين حتى انتشيت، وبقيت وفيًا مواظبًا على حضور معظم برامج المركز في مواسمه الثقافية المتتالية دون انقطاع حتى الاحتفال بذكرى تأسيسه الثالثة والعشرين منذ أيام قليلة.
ولنعد إلى التاريخ قليلًا، فقد تم بناء هذا المركز في الموقع الأصلي للمجلس الأول للشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة، وقد كان - رحمه الله - أديبًا محبًا للغة العربية متمكنًا منها، ذا ثقافة عالية واهتمامات خاصة بالأدب والتاريخ، وكانت المعرفة والسبل إليها ملازمة للشيخ إبراهيم وثابتة في كل مراسلاته مع العواصم الثقافية والمؤسسات الأدبية التي كان يتواصل معها من أجل الحصول على الإصدارات الثقافية والأدبية.
وكان مجلسه ملتقى للثقافة والمثقفين وملاذًا للأدب والأدباء وبداية للتعليم الأهلي في مملكة البحرين. وكان لمجلس الشيخ إبراهيم زوار متميزون وأدباء ومثقفون جاءوا من شتى الأقطار العربية وأثْرَوْا المجلس بأفكارهم.
ولأنه آمن بالمستحيل، وقال سلامًا.. فقد حافظ المركز اليوم على وهجه، وربح معركة ظنها الجميع خاسرة، لعلها معركة البناء الثقافي، بفضل جهود الشيخة مي بنت محمد آل خليفة ومجلس الأمناء؛ إذ استمر المركز في استقبال ضيوف من القامة نفسها والخامة التي كان الشيخ إبراهيم يُنير بها مجلسه على عهده، وظل هذا المَعلم منارة ترقى بالذوق العام وتعزز مكانة المعرفة وتنمي الحراك الثقافي في مملكة البحرين والخليج العربي، بالإضافة إلى دوره في المحافظة على التراث المحلي الأصيل لمحافظة المحرق.
*كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية