كل ما استخدمناه على الإنترنت بوعي وبغير وعي، صب في تخليق ذلك الوحش المسمى بالذكاء الصناعي، تتذكرون تطبيقات على منصات التواصل الاجتماعي، تريك نفسك عجوزًا أو طفلًا، وثانية تصفك، وثالثة تضحكك، حتى تلك الألعاب البريئة، كلها كانت روافد لتغذية الوحش.
هل تتذكرون أيام مطاردة (البوكيمونات) في الحدائق والمولات وحتى أكثر الأماكن عزلة باستخدام لعبة (بوكيمون جو)؟ بينما كنتم تستمتعون بتجميع الكائنات النادرة، كانت شركة (نيانتيك)، المطورة للعبة، تعمل على مشروع أكبر بكثير: تدريب نموذج ذكاء اصطناعي متقدم لفهم العالم من حولنا بصورة ثلاثية الأبعاد.
هكذا تمت الحيلة. كان اللاعبون دون علمهم يقدّمون بيانات حيوية تُمكّن (نيانتيك) من تطوير فهم ثلاثي الأبعاد للأماكن. عبر اللعب التفاعلي الذي يعتمد على الواقع المعزّز، استخدم المشتركون كاميرات هواتفهم لتصوير ملايين المواقع حول العالم. واستغلت الشركة “نقاط الجذب” أو أماكن البوكيمونات النادرة لتشجيع اللاعبين على زيارة مواقع أقل توثيقًا، مثل الأزقة، الأماكن الدينية، العقارات الخاصة، وحتى المواقع المهجورة. وقد أسفر ذلك عن جمع أكثر من 10 ملايين مسح ثلاثي الأبعاد، مع إضافة ملايين أخرى كل أسبوع.
تُستخدم هذه البيانات الآن لبناء “النموذج الجغرافي الكبير” (Large Geospatial Model)، وهو نظام ذكاء اصطناعي متقدم يمكنه تحليل وفهم البيئات بطريقة غير مسبوقة. على عكس الخرائط التقليدية مثل Google Maps، التي تقدم صورًا ثنائية الأبعاد، يستطيع هذا النظام إعادة بناء الأماكن بأبعادها الثلاثة، بل والتنبؤ بشكل الأماكن غير المصورة عبر مقارنة بياناتها مع نماذج مشابهة عالميًا. فعلى سبيل المثال، إذا التقط اللاعب صورة لواجهة مبنى فقط، يستطيع النظام تخيل شكله بالكامل بالاعتماد على آلاف البيانات المشابهة.
ترى (نيانتيك) تطبيقات واسعة لهذه التكنولوجيا، من تحسين ألعاب الواقع المعزز إلى استخدامها في الروبوتات، التخطيط الحضري، والخدمات اللوجستية. ومع ذلك، يثير البعض مخاوف أخلاقية حول استخدام هذه البيانات، خاصةً في مجالات المراقبة أو التقنيات العسكرية مثل الطائرات المسيّرة.
في نهاية المطاف، لم يساهم لاعبو (بوكيمون جو) في ثورة الألعاب فحسب، بل دعموا أبحاث الذكاء الاصطناعي دون قصد، مما جعلهم جزءًا من مستقبل الحوسبة المكانية. لذا، في المرة القادمة التي تطارد فيها (بوكيمون) نادرًا، تذكر أنك تسهم في رسم ملامح الغد.