لن يمر وقت طويل حتى يصبح بمقدور الروبوتات الذكية تصنيع نفسها بنفسها، لينتج كل روبوت آخر مثله، والاثنان يصنعان أربعة، وهكذا في متوالية تنتج عددا هائلا من الروبوتات يفوق أعداد البشر، فما الحاجة إلينا عندئذ؟
قبل يومين، انضم طاقم جديد إلى صفوف الطبقة العاملة في الصين ـ الصين الشيوعية المنحازة، بحسب دستورها للطبقة العاملة ـ روبوت لا يستهلك غير الطاقة، ولا يطلب تأمينا صحيا ولا إجازات، ولا يضرب عن العمل طلبا لامتيازات تناسب كلفة المعيشة المتزايدة، هو روبوت يرضى متطلبات مؤيدي الرأسمالية والاشتراكية معا.
روبوت الصين بحجم الإنسان ووزنه، وفوق ذلك فهو أقدر منه وأسرع حركة وأداء وقوة ومرونة، بفضل ستين مفصلا مرنا ومحكما، فأين تذهبون؟
الجنس الروبوتي المقبل اسمه “تيانغونغ”، ومطروح للأسواق التجارية، وسيعمل في كل شيء وكل مهمة.
من المؤكد أنه سيحيل الملايين للتقاعد، وسيكون فرصة للبشرية للتقدم والتطور، ولكن بأي فاتورة بشرية؟ كم من البشر سيجدون أنفسهم بلا عمل، عما قريب؟
يمكن أن ندفن رؤوسنا في رمال صحراء الشرق الأوسط، حتى نستيقظ على الروبوتات تطرق أبواب مدينتنا طالبة العمل، لكن الحصيف من استعد للطوفان ولم يغلق عينيه في مواجهته.
في البحرين، ثمة رؤية استراتيجية تعكس إدراك المملكة لأهمية الروبوتات في تحسين جودة الحياة للمواطنين وتعزيز الاقتصاد الوطني، وفي نفس الوقت تجنب سلبياتها على المجتمع.
ففي القطاع الصحي، حققت البحرين أخيرا إنجازًا فريدًا بفضل أول عملية جراحية متقدمة تُجرى باستخدام الروبوت الجراحي “Hugo” في الخدمات الطبية الملكية، لتتصدر بذلك دول في المنطقة في إدخال هذه التقنية المتقدمة إلى غرف العمليات.
يتميز هذا الروبوت بالدقة العالية والقدرة على أداء عمليات جراحية معقدة، ما يقلل من المضاعفات ويسرّع من فترة التعافي للمرضى. يعد هذا التطور نقلة نوعية تعزز من كفاءة النظام الصحي وتضع البحرين في مصاف الدول المتقدمة في مجال الصحة الرقمية.
وأثناء جائحة كورونا، ساهمت الروبوتات الذكية في التقليل من تعرض العاملين للمخاطر.
وتضمنت هذه الأدوار روبوتات التمريض لرعاية المرضى، وروبوتات التعقيم لصيانة المرافق، وروبوتات التوصيل لنقل الإمدادات الطبية، ما أضاف بُعدًا جديدًا للأمان والكفاءة في مواجهة التحديات الصحية.
وعلى صعيد الاقتصاد الصناعي، تعمل البحرين عبر مشروعات كبرى مثل “iFactories” بالشراكة مع “تمكين” لتحويل المصانع التقليدية إلى مصانع ذكية.
هذا المشروع يهدف إلى إنشاء 300 مصنع ذكي بحلول العام 2026، مع تقديم منح لدعم تكاليف الأتمتة والرقمنة، إضافة إلى تقييم جهوزية المصانع للنضج الرقمي.
وتعمل هذه المصانع بنظام الأتمتة، ما يسهم في رفع مستوى الإنتاجية ويعزز من مرونة الصناعات البحرينية، لتواكب بذلك أعلى المعايير العالمية.
ثمة توقعات بأن يصل حجم سوق الروبوتات في المملكة إلى 6.3 مليون دولار هذا العام، ونمو سنوي بنسبة تقارب 10 % ليبلغ 10.12 مليون دولار بحلول العام 2029.
وبفضل هذا النهج، تسهم البحرين في وضع معايير جديدة للروبوتات الذكية والأنظمة الرقمية، مع تمكين الصناعات من المنافسة في الأسواق العالمية.
وإلى جانب القطاع الصناعي والصحي، تولي البحرين اهتمامًا كبيرًا بإعداد جيل جديد من الطلبة المبدعين في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي، إذ تعمل وزارة التربية والتعليم على دمج التكنولوجيا في المناهج الدراسية.
تقدم المدارس برامج متخصصة لتعليم الطلبة برمجة الروبوتات، وتوفر بيئة محفزة لهم عبر تشجيعهم على المشاركة في المسابقات المحلية والدولية.
وحقق طلبة البحرين العديد من الإنجازات الدولية في هذا المجال، حيث قاموا بتطوير مشروعات مبتكرة مثل روبوت توازن قادر على نقل الأوزان، وجهاز ري ذكي يستخدم الذكاء الاصطناعي لقياس رطوبة التربة والتحكم في عملية الري.
وإذ تمثل هذه النجاحات نموذجًا يحتذى به في العالم العربي، فإن الدعم الحكومي والمدرسي القوي يعزز من طموح البحرين في التحول إلى مركز تكنولوجي إقليمي.
وعبر مواكبة التطورات العالمية في صناعة الروبوتات، تؤسس البحرين لجيل جديد من الكفاءات التقنية التي ستحمل راية الابتكار في المستقبل، ما يجعل هذه المسيرة فرصة لتطوير القدرات الاقتصادية، مع تعزيز مكانة المملكة بين الدول الرائدة في تبني التقنيات الحديثة.
تثبت البحرين أنها ليست مجرد متلقٍ للتكنولوجيا، بل رائدة وقائدة في تطويرها وتوظيفها بطرق تخدم الإنسان وتحقق التنمية المستدامة.