العدد 5899
الأحد 08 ديسمبر 2024
فقاعة بطاقات الائتمان
الأحد 08 ديسمبر 2024

تشير الإحصاءات الصادرة عن صندوق النقد الدولي إلى أن حجم المديونية العالمية، للقطاعين الخاص والعام، تراجعت بنقطة مئوية واحدة مع نهاية العام 2023 بفعل تراجع مديونية الأفراد، لتصل إلى نحو 237 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بيد أن تلك الأرقام تشير أيضا إلى أن المديونية الخاصة، للأفراد والشركات، تشكل نحو 60 % من الحجم الكلي للمديونية العالمية، وتصل إلى ما يقرب من 143 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأن المديونية الفردية باتت تتعلق بميول استهلاكية بحتة، بعيدا عما يمكن تسميته الديون الفردية الاستثمارية، أو الرأسمالية القائمة على تمويل العقار، أو شراء الأسهم، أو حتى تمويل المركبات والأثاث والمستلزمات المنزلية أو المكتبية الأخرى. أي إن معظم المديونية الفردية تنصب بشكل أساسي في القروض الشخصية، وتحديدا في استخدامات بطاقات الائتمان، أي في نفقات تسيير الأمور اليومية للحياة والسياحة والسفر، وقد تدخل فيها نفقات العلاج والتعليم وبعض النفقات الشخصية الأخرى.

 

وفي هذا السياق، أظهرت جلسة استماع حديثا في مجلس الشيوخ الأمريكي مع الرؤساء التنفيذيين لكبرى شركات البطاقات الائتمانية، أن تلك الشركات أصدرت في الولايات المتحدة وحدها ما يزيد على 720 مليون بطاقة ائتمان خلال العام الحالي، أي ما يقرب من بطاقتين لكل مواطن أمريكي، وأن حجم التعاملات على تلك البطاقات تجاوز في العام 2024 نحو 1.17 تريليون دولار، أي ما يقارب ثلث حجم مديونية البطاقات الائتمانية عالميا، التي تجاوزت 3.5 تريليونات حتى منتصف العام الحالي.

 

الميول الاستهلاكية في الاقتصادات العالمية، حتى في الدول الناشئة، باتت تتحرك عبر بطاقات الائتمان، ولعل المستفيد الأكبر من ذلك هي شركات الائتمان، التي يتجاوز هامش الربح لديها نسبة 50 %، ومن بعدها المصارف التي تجد في بطاقات الائتمان والقروض الفردية تعويضا نوعيا ذا مخاطر منخفضة عما تعرضت إليه تلك البنوك إبان الأزمة العالمية المالية في العام 2008.

 

بطاقات الائتمان والقروض الفردية، التي تشكل في مجموعها اليوم ما يزيد على 150 تريليون دولار أمريكي، هي الفقاعة العالمية القادمة بلا منازع. استسهال إصدار بطاقات الائتمان واستخدامها وتداولها، والشهية المفتوحة عليها قنبلة عالمية موقوتة، تتحرك بسرعة خفية، ولا بد أن تنفجر، وقد تأخذ معها العديد من المصارف حول العالم. وتخفيف ذلك الأثر يحتاج إلى سياسات عالمية لضبط الشهية المُفرِطة لدى الأفراد والمصارف في التهام أكبر قدر ممكن من الطُعُم.

 

قرارات بازل المختلفة التي تصدر لتنظم عمل البنوك، مازالت غائبة عن ذلك، والمطلوب أن تتبنى البنوك المركزية حول العالم سياسات تحمي طرفي المعادلة؛ المزود والمُستخدِم، والمندفعين دون حساب، إلى ضرورة الرشد والتعقل وضبط الإيقاع قبل فوات الأوان.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .