كثيرة هي المواقف التي تخطف الأبصار والبصائر معًا بما تفيض به من معانٍ إنسانية سامية تُطارد مظاهر الزّيف إلى حيث تكثر فيها ضروب “العفّة” التي شهد بها الباري سبحانه في محكم التّنزيل، فتلك هي سيدتنا “العذراء” مريم (ع) التي طهّرها في معجزة ولادتها بعيسى دون أب، وذلك هو سيدنا يوسف (ع) الذي اختار السجن عوضًا عن انتهاك عفّته، والأمثلة تَكثُر عن كفّ النَفس عن المحارم واقتراف الشَّهوات في سبيل خلق إيماني رفيع يبعد عن خدش المروءة وينتصر على الشهوات ويتمسك بالفِعال الجميلة ويُلازم الآداب الحميدة التي تُنجي من الضائقات وتغرس المحاسن التي تعفّ بيدي صاحبها ورجليه وعينيه وأذنيه وجميع جوارحه عن المحرمات.
ما ورد في الأثر عن سيرة السيدة العظيمة فاطمة الزهراء (ع) وبراعتها في إدارة شؤون البيت وتصريف أعماله من طحن وخبز وطبخ ورعاية للبنين والبنات و... إلخ، أنّها كانت جالسة عند أبيها نبيّ الرحمة (ص) ذات يوم عندما استأذن الرجل الأعمى “ابن أمّ مكتوم” الدخول عليه، ما حدا بها أنْ غادرت الغرفة، فيما عاودت بُعيد انصرافه (أي الرجل الأعمى) الدخول ثانية عليه، وهو ما أثار تساؤله (ص) لها - بالرغم من علمه بذلك - عن سبب خروجها من الغرفة سيّما وأنّ الرجل أعمى لا يُبصر! فقالت (ع): إنْ كان لا يراني، فإنّني أراه، وهو يشمّ الريح – رائحة المرأة – حتى أُعجب (ص) بجوابها الحكيم، وقال (ص) أشهد أنّك بضعة منّي.
نافلة:
في مثل هذا اليوم – 13 جمادى الأولى عام 11 هجري – ودّعت البضعة الزهراء البتول (ع) فلذات كبدها الحسن والحُسين وزينب وأمّ كلثوم صغارًا، وبعلها وشريك أبيها في الجهاد لتلحق بالمختار (ص) التي كلما رددّ صوت الأذان اسمه الشريف، ازداد حزنها حتى عَرُجَتْ روحها الطاهرة مسرعة إلى علو السماوات. هي “أمّ أبيها” التي غمرته بحبها وهي في السادسة من بعد رحيل أمّها السيدة خديجة (ع)، وهي التي كانت تطوف فضاء البيت مُشاركة معه المحن، تُضمّد جِراحه تارة، وتُسلّي خواطره تارة أخرى، إلى أنْ تقدّم لها مَنْ لا يملك من الدنيا غَيرَ سيفه ودرعه، فسعت في إدخال الفرحة على قلبه، وأنجبت له كواكب مُزدانة بالوقار كالحَسن والحُسين (ع) ونجومًا متلألئة بالعفاف كزينب الكُبرى وأمّ كلثوم الصُغرى (ع).
السلامُ على التّقية النّقية الحَوْراء الإنسِيَّة، السلامُ على ابنة مُحمد المصطفى (ص) وزوجة علي المُرتضى (ع) ووالدة السبطين الحسن والحُسين (ع) يوم وُلدتْ مُبتهجةً ويوم عرجتْ محزونةً ويوم تُبعثْ شاهدة بين يديّ ربّ الخلائق أجمعين.
كاتب وأكاديمي بحريني