كلمّا زادت جرعتها، جاءت بتداعياتها النفسية والمالية الرديئة لتودي بفقدان الاستقرار فيها وانعدام ضماناتها العائلية والاجتماعية التي تتراءى في ضحالة فرص الترقي وضياع سنِّي الخبرة من جانب، ومن جانب آخر زيادة أصحاب الأعمال في التسيد على أجواء “الرعب” التي ينعدم فيها الأمان الوظيفي والمستقبلي حين يصعب معها تماسك الأسر وبناء المجتمعات التي تخشى “فَقْد” لقمة عيشها بعد شيوع استغلالها في مشاريع محددة أو حاجات موسمية يتكيّف فيها أولئك الأصحاب في تقليل التكاليف وخفض النفقات كي يفتحوا بها أبواب “الاستعباد اللطيف” في استغلال الفائض من القوى البشرية العاملة بشتّى الصور التي تُنتهك فيها حقوقهم الوظيفية في ظلّ أجواء نقابية هشّة، بين معدلات عالية من البطالة والتّضخم.
كثيرًا ما تحدثُوا عنها بأنّها “حقل ألغام” زُرعت لتفكيك الروابط الاجتماعية وإشغال الفكر بحدود لا تتجاوز (المعدة) بين أقوام المجتمعات الحاضرة، بل وقالوا إنّها (صناعة أجنبية) أُعيدت لتشكيل مجتمع مهزوز الروابط باتجاهات مُعوّمة وأجيال مُنهزمة جرّاء عقود عمل مؤقتة أضحت ظاهرة يستفرد فيها صاحب العمل بسلطته المُطلقة تارة بإبقائها وتارة بإنهائها دون ضمانات أو حقوق تحت غطاء إداري قاسٍ ومالي مُقنّن، الأمر الذي استوجب المراجعة المتكاملة وفق آفاق مطمئنة تُحافظ على ثوابت المجتمع وأُطر عصرنته التي تتناغم مع الحداثة الواعية التي تنأى بالجهات المؤثرة بمصداقيتها على تنفيذ عقود العمل عن سحب دورها التاريخي وتسليمه للهيئات والمؤسسات ذات الأجندة المُبطنة التي صيّرتْ العاملين المؤقتين يتأرجحون فرائس سائغة في بحر من الاكتئاب والقلق!.
نافلة:
يُبرهن “العمل المستقر” في أحوال متغايرة على أنّه خطّ الدفاع الأمني الاجتماعي الأول الذي به تستقرّ الشعوب، كما أنّه واحد من الحقوق المنصوصة التي يتحملها طرفا المعادلة – الحكومة والمواطن – في أيّة منظومة وطنية متكاملة من الحقوق والواجبات على مستوى العالم، بعيدًا عن إشكالية العقود المؤقتة التي إما أنْ تتجدد أو أنْ تعود بالعامل إلى قافلة العاطلين. وهذا ما توالت عليه – في الآونة الأخيرة - تجارب العاملين البحرينيين “الصعبة” في كبرى المؤسسات والشركات المختلفة بالرغم من التشريع الأساس الذي يحكم علاقات العمل في نصوص قانون العمل رقم (36) لسنة 2012م التي تفرض على أصحاب العمل التقيّد بها بعدما أثبتت الكثير من الوقائع غياب ضمانات التوظيف التي تُلزم بتوظيف المتدربين المدعومين ماليًّا بعد انتهاء مدة التدريب المقررة التي لا تتجاوز السنتين.
*كاتب وأكاديمي بحريني