العدد 5858
الإثنين 28 أكتوبر 2024
banner
الرياضة.. “قوة ناعمة”!
الإثنين 28 أكتوبر 2024

لا تفارق مخيلتي تلك الأيام الممتعة أثناء الدراسة المدرسية، في المرحلة الابتدائية تحديدا، بالصف الخامس والسادس، عندما كنت طالبا في مدرسة الإمام الصادق بمنطقة جدحفص، التي هدمت لاحقا وتحولت بفعل عوامل التعرية إلى أرض فارغة يركن فيها مرتادو سوق الذهب سياراتهم؛ لعدم وجود مساحات كافية للتوقف أمام المحلات، أو بسبب الزحمة الخانقة في بعض الأيام.
ففي تلك المدرسة حصلت أحداث كثيرة، لكنني في طور استحضار ما استعصى على الزمن هدمه، حصة الرياضة التي كانت تشكل أفضل وسيلة للترفيه والاستمتاع بالمنافسة بالنسبة لنا، على الرغم من اقتصار الحصة على لعب كرة القدم فقط، بتقسيم طلاب الصف إلى 4 فرق يلعبون شوطا واحدا لمدة 20 دقيقة، وبعدها يطلق مدرس الرياضة، ولا أتذكر اسمه، صافرته الشهيرة ويقول بصوت عال وبطريقة مميزة “بدلوا الفريقين”!
وتنتهي الحصة ولا تنتهي حماستنا بقطعة الجلد المنفوخة بالهواء، وبذلك الملعب الأسفلتي أو الرملي، لا أتذكر، ونعود بعدها إلى مقاعدنا الدراسية ونحن نلهث لاستكمال يومنا الدراسي المليء بـ “الأكشنات”، وتتركز أحاديثنا في الفسحة أو بين حصة وأخرى على نتيجة المباراة و “التقسيمة” التي جرت بيننا في حصة الرياضة، ولا يتوقف “اللوم” عندما نكون خاسرين، فيما لا تتوقف “الشماتة” عندما نكون فائزين، وكنا نستمتع بطعم الفوز؛ لأنه يغلق أفواه الخاسرين حينها، ولكنه ظل معتقدا خاطئا لا يحمل في طياته حافزا قويا لتحقيق الفوز، فماذا يعني أن تسد فم منافسك بالفوز حتى لا يشمت بك؟!
الآن عندما أعود إلى تلك الحقبة المدرسية، وأفككها بنوع من التحليل المنطقي، أجد أنها كانت تفتقد المعنى الحقيقي للانتصار، وما يمثله من قيم الفخر والتفوق، ذلك أن المنافسة كانت ودية، الفائز والخاسر يخرجان من الملعب ليدخل مكانهما فريقان آخران، وهكذا تسير الأمور طوال الفصل الدراسي، وبالتالي لا يوجد أي نوع من أنواع التحفيز والتفضيل للفائز، بوصفه اجتهد وسعى بشكل أكبر لتحقيق النتيجة الأفضل، فهو لا يحصل على مكافأة إطلاقا، ولا حتى معنوية بأن يبقى في الملعب ويخرج الفريق الخاسر!
طبعا، بعدها تعرفنا على الثقافة الرياضة بشكل أعمق، ومع تقدمنا في المراحل الدراسية تكشفت لنا أمور جديرة بالاهتمام في الرياضة عموما، وليس في كرة القدم فحسب كونها اللعبة الأكثر شعبية في العالم، ومن بين ما تعرفنا عليه هو أن الرياضة يمكن أن تكون “قوة ناعمة” تتباهى بها الدول، وتستخدمها في الاقتصاد والسياسة والسياحة عبر استقطاب البطولات الكبرى وتعريف المشاركين فيها بثقافة بلد سيقضون فيه لحظات ستبقى عالقة في الذاكرة.
ختاما، لا أجد أفضل من دورة الألعاب المدرسية الدولية التي تقام على أرض مملكة البحرين حتى 30 أكتوبر الجاري، لأضرب بها مثلا على التطور النوعي الذي نحن مقبلون عليه بعد انتهاء هذا الحدث التاريخي؛ لأنه يأتي في سياق خطة لتعزيز ثقافة الرياضة المدرسية، وتحفيز الطلبة والطالبات على ممارسة الرياضة كأسلوب حياة، ولا شك أننا ممتنون إلى جلالة الملك المعظم على رعايته السامية للدورة، وما تمثله الرعاية من حرص ملكي على تشجيع أبنائه الطلبة والطالبات على ممارسة الرياضة والتنافس بجد واجتهاد، وهذا تقدير كاف ليعطي منتخباتنا المدرسية المشاركة في الدورة روحا قتالية تنافسية عالية لتشريف مملكة البحرين.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية