العدد 5840
الخميس 10 أكتوبر 2024
banner
مثقف لا يحتاجه المجتمع!
الخميس 10 أكتوبر 2024

في أجواء التردي والإحباط والانكسارات العربية، تسقط المبدئية وتنتصر الانتهازية وتتفشى النفعية، ويتسيد التافهون المشهد. تلك التفاهة سرت وانتقلت عدواها حتى إلى بعض المحسوبين على الثقافة، من الذين يفترض أن يكونوا نموذجًا للمبدئية ضد حسابات الربح والخسارة، وبدلًا من ذلك نكسوا رايات المبدئية، ورفعوا رايات الانتهازية التي لا تستحي. وللتغطية على ذلك روجوا لخطاباتهم باسم “الواقعية” أحيانا والعقلانية أحيانا أخرى، تجنبًا للمواقف المبدئية بشأن قضايا الأمة ومصيرها واستقلالها، في مواجهة مشاريع الغزو والانتهاك.
إن النزعات المصلحية أصبحت تلعب دورًا لا يقل خطورة عن الخوف. فالمثقف قد يتردد في مواجهة استحقاقات الواقع ومتطلبات الموقف الفكري والسياسي في بعض الأحيان، خوفًا من مواجهة بعض القوى الاجتماعية والسياسية، فيجاريها أو يسكت عنها أو يجاملها، وقد ينسحب إلى غياهب الصمت بدلًا من مواجهة قوى الغوغائية التي تتغلغل في أوصال المجتمع، وتمعن في تزييف وعيه. فلا يكون مؤثرًا أو معبرا عن حركة التاريخ، أو مضطلعا بدوره في التنوير، ومستقلًا عن الطمع والهوى قدر الإمكان، ولن يكون مستقلًا إذا كان مسلوب الإرادة. ولا يقل الانسحاب الصامت من الحياة الفكرية والثقافية عن اللامبالاة كعنوان للتدمير الصامت للذات. لذلك لم يكن غريبًا أن تتفشى ظواهر شاذة ومدمرة، مثل اتساع الهوة بين المبادئ والممارسة العملية، وبين القول والفعل، حتى نشأت أزمة ثقة بين الناس وبين هذه الفئة، وهذا ما يفسر أن الجمهور أصبح بلا قيادة فكرية لها كلمتها ومصداقيتها، ولا غرابة إذا أن يصبح فريسة لقيادات شعبوية سطحية.
إن استعادة الثقة في الإنسان العربي - وامتلاك القدرة على تشكيل موقف من كل ما يطرح - تتطلب الكثير من المعرفة والصدق والشجاعة، إضافة إلى امتلاك رؤية ومشروع، فالمعركة معركة دفاع عن المجتمع واستقراره وتنميته وحريته ووحدته، لذلك فإن الذي يتخلف عن الوقوف مع الوطن ومع الأمة ومصلحتهما يكون قد تخلف عن أداء رسالته. والمثقف الذي لا يعلو فوق ذاته ويخضع لحسابات الربح والخسارة ولا يقوى على تصحيح مواقفه في ضوء المراجعة والتقييم، هو مثقف لا يحتاجه المجتمع.
*كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية