أروع ما في “بريخت” قدرته الفائقة على التحليل الموضوعي وتباين الروابط المصيرية والتأثير المتبادل بين الناس، كما أنه علم تلاميذه وقراءه أن عالمنا المرعب الذي لا يهتم بالإنسان، والذي يحاول أن يمزق الوجود الإنساني شر تمزيق، يأتي المسرح ليأخذ دوره الطليعي في تعرية هذا العالم وإدانته، ووضع الأشياء في مواضعها الصحيحة بعد أن انقلبت المعايير وضاعت القيم.
إحدى مسرحياته الفلسفية الجميلة من حيث الأسلوب والفكرة، والتي تجبر الإنسان على اكتشاف طريقته في الحياة، مسرحية “شخص طيب من سيزوان”، والتي تدور حول امرأة تفضلت الآلهة الثلاثة بأن منحتها المال احتفاء بنزعة الخير لديها، إلا أنها لم تجد مناصا من أن تخترع لها قريبا خبيثا كي تستطيع أن تحتفظ بتلك الهبة الكريمة في هذا العالم الشره الشرير. أما عندما يغادر الشيطان هذا العالم لأنه لا يجد فيه غير جحيم يحيط به من كل جهة، فإن هذا القرار الذي يتخذه الشيطان يماثل ذلك القرار الذي تتخذه الآلهة، حين تغض أبصارها عن الضغوط الاجتماعية التي تجبر المرأة على أن تتنكر في شخصية قريبها الشرير.
إلا أن “بريخت” يذهب إلى أبعد من هذا الحد بتأكيده على الحوافز المادية، مقترحا أن العالم يمكن أن يتغير وأن الخير صفة إنسانية ستزدهر في مجتمع عادل، كما على الناس بمختلف طبقاتهم تمحيص نفوسهم لكي يصلوا إلى أعماق الحياة الداخلية، فينيروا القلب والضمير، و”بريخت” يؤمن من الأساس بأن العالم جميل ويجب أن نعيشه بروح ونفسية خيرة ومتكاملة.
كاتب بحريني