لم يقتل الصاروخ الذي سقط في ملعب لكرة القدم في بلدة “مجدل شمس” قبل أيام (12) طفلًا فحسب، بل حفر “جرحا عميقا” وأحدث صدمة كبيرة لأهلها، وتقع مجدل شمس على السفح الجنوبي لجبل الشيخ (حرمون) بإقليم البلان في الجولان المحتل، عند مثلث الحدود بين سوريا ولبنان وفلسطين، ويبلغ عدد سكان المجدل (10) آلاف نسمة، أغلبيتهم من الطائفة الدرزية، وينتمي بعضهم للمسيحية الأرثوذكسية، وقد احتلها العدو الإسرائيلي في (1967م) وضمها رسميًا في (1981م)، وقد اشتهر أهلها بمقاومة جهود الاحتلال لتطويعهم سياسيًا وثقافيًا، بجانب القرى الأربع الأخرى المحتلة (بقعاثا، عين قنية، الغجر ومسعدة).
حاولت إسرائيل في (1982م) فرض الجنسية الإسرائيلية بالقوة على سكانها، إلا أنهم رفضوا وقاطعوا كل من يَقبل الجنسية، وكانت النتيجة محاصرتها لأكثر من ستة أشهر، فمنعت دخول الغذاء والدواء إليها، ما زادهم صلابةً وتمسكًا بأرضهم وعروبتهم ورفضهم الاحتلال، وفي 20 يونيو 2011م قرر العدو بناء جدار شائك يبلغ ارتفاعه (8) أمتار قرب “مجدل شمس”، وقد شهدت المجدل حراكًا وتظاهرًا مستمرًا ضد ممارسة العدو التي تنتهك أراضيهم وتهدد مواردهم الزراعية وترسخ الاحتلال في المنطقة. وتدفع “مجدل شمس” اليوم بالدم ثمن تمسكها بهويتها العربية، فما أصابها اعتداء على الجولان وعلى سوريا، أهل المجدل الذين بقوا مخرزا في عين الاحتلال، الاحتلال الذي اختبأ وراء جدار إنكار مسؤوليته عن هذه الجريمة ضد أطفال المجدل الذين امتزجت دماؤهم بدماء شهداء طوفان الأقصى. وقال أهالي الشهداء والمصابين (إنهم لن يساوموا على دماء أحرارهم، ولن يسمحوا لأحد بذلك)، لأنهم مؤمنون بعروبتهم وانتمائهم لأرضهم، وبأنهم يساندون حق فلسطين العربي، ويتوحدون معها في قضية تحريرها، فالمجدل والقدس وكل الأراضي العربية المحتلة قضيتها واحدة. وأثناء تشييع جثامين الشهداء كانت الصورة تذهب باتجاه مختلف، فقد وحد هذا التشييع أهالي “مجدل شمس” وكل الجولان، والذين تمنوا أن يكون دم أطفالهم قربانا لتحقيق السلام المنشود لكل أطفال المنطقة.
فأهالي الجولان ينظرون لأنفسهم “كدروز” وسوريين يطمحون لحياة حُرة في وطنهم كباقي البشر، ويقولون (مازلنا وفقًا للقانون الدولي مواطنين عربا سوريين في منطقة محتلة، ولم نغيّر جلدنا). وقالت “الهيئة الدينية والزمنية” في الجولان السوري (نرفض أن تُراق قطرة دم واحدة تحت مُسمى الانتقام لأطفالنا، فالتاريخ يشهد لنا أننا كنا ومازلنا دُعاة سلام ووئام بين الشعوب والأُمم حيث تُحرم عقيدتنا القتل والانتقام بأية صفة أو هدف.
كاتب وتربوي بحريني