بعد أسبوع فقط من خطابه في الكونغرس أقدم رئيس وزراء إسرائيل وحكومته اليمينية المتطرفة على اقتراف جريمتين من العيار الثقيل؛ فقد اغتالت الثلاثاء 30 يوليو “فؤاد شكر” كبير المستشارين العسكريين للأمين العام لحزب الله في الضاحية الجنوبية من بيروت، وأعلن الكيان تبنيه هذا الاغتيال، واغتيل فجر الأربعاء 31 يوليو القيادي الأول في حركة حماس إسماعيل هنية في طهران دون أن يتبنى الكيان هذه الجريمة إلى حدّ كتابة هذه الأسطر. وقد توقّع الخبراء العسكريون شيئا من هذا بعد ما حظي به “نتنياهو” من ألوان الترحيب والاستقبال المثير للدهشة من جانب أعضاء الكونغرس، ومدى التصفيق الذي تكرّر مرات عديدة خلال إلقاء الخطاب. لذا لم يعد غريبا أن تُقدِم حكومة الاحتلال التي انفلت عقلها السياسي، على أية عملية عسكرية، ولا ينكر أحد أنّ اغتيال إسماعيل هنية ضربة قاسية وموجعة للمقاومة في خضم ما تكابده يوميا.
وقد وجب النظر إلى هذه العمليات وتداعياتها من زاوية أخرى؛ فحين تتبنّى طهران مساندة المقاومة واستقبال رموزها يجب أن تتحمّل في ذلك مسؤوليّاتها الأمنية في حماية الشخصيات، ولاسيما من كان منهم على رأس قائمة الاستهداف الإسرائيلي لرموز المقاومة. لكن يبدو أنّ اغتيال القادة الإيرانيين، أو المقرّبين من طهران، صار جزءا من معادلة الحرب، وقد استطاع الكيان إلى الآن تحقيق أهداف بالغة الأهمية في غزة ولبنان ودمشق وفي طهران ذاتها، وهو ما يعني سهولة الاختراق الأمني، سواء في الأراضي الإيرانية أو في الدول المتحالفة معها على خط المقاومة. وقد عرفت سوريا العديد من عمليات التصفيات لقادة إيرانيين نظرا للتواجد العسكري الإيراني فيها، فقد تصاعدت وتيرة ضربات الكيان على سوريا بعد طوفان الأقصى واندلاع حرب غزة في أكتوبر الماضي.
واستطاع الكيان تسديد ضربات موجعة لإيران منذ مارس 2023 باغتيال القيادي في سرايا القدس علي رمزي الأسود في دمشق، ثمّ رضي موسوي أحد أقدم مستشاري الحرس الثوري، وفي يناير 2024 تمّت تصفية خمسة مستشارين عسكريين إيرانيين في غارة على دمشق، ثمّ كان اغتيال سعيد علي دادي، وفي أبريل 2024 كانت الغارة الإسرائيلية على مبنى القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، والتي أسفرت عن مقتل القائد بالحرس الثوري الإيراني، محمد رضا زاهدي.
واليوم، وفي قلب طهران، وبمناسبة مشاركته في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، يجري اغتيال الرمز إسماعيل هنية. فلماذا في طهران وليس في أية عاصمة أخرى من تلك التي يتردّد عليها رئيس حركة حماس؟ هل هي صفعة جديدة لطهران واستفزاز لها؟ وهل يمكن توقّع تداعياتها؟.
كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية