العدد 5771
الجمعة 02 أغسطس 2024
الطفولة وتحديات الغزو الثقافي
الجمعة 02 أغسطس 2024

مرحلة الطفولة قد تبدو لنا مرحلة عمرية عابرة في حياة الإنسان، لكنها في الواقع تشكل البنية الأساسية التي ترتكز عليها حياة الإنسان في المستقبل إذا ما أصبح مكتملا وقادرا على العطاء والإنتاج، وبالتالي يشكل المورد الاستثماري الأساسي الذي تقوم عليه التنمية المستدامة التي يسعى إليها كل مجتمع. بناء على هذه الحقيقة من الواجب أن ندرك أن الطفولة اليوم تتعرض لغزو ثقافي خارجي حيث أصبحت هناك ثقافات أجنبية تحملها وسائط إلكترونية لها جاذبية بالغة التأثير تهدد ثقافة الطفل وتجعله معرضا للتغريب الثقافي الذي يبعده عن تشرب الثقافة الأصلية التي ينشدها المجتمع لبناء شخصيته وهي الثقافة العربية الإسلامية في ظل غياب واضح للمؤسسات المجتمعية التربوية والإعلامية التي تتولى المهمة الوطنية لتنشئة الطفل ليصبح إنسان المستقبل، كالأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام، وأصبحت هذه المؤسسات المجتمعية عاجزة عن مواجهة هذا الغزو الثقافي الخارجي الغريب عن الهوية الثقافية الوطنية التي يراد غرسها في الطفولة.
ونعرف أن “الأمن الثقافي” جزء لا يتجزأ من الأمن الوطني، وبالتالي يصبح الغزو الثقافي الأجنبي مصدر تهديد للطفل باستلاب عناصر الثقافة الأصلية منه، حيث تحل اللغة الأجنبية محل اللغة العربية وعندما يتغرب الطفل عن لغته فإنه يتغرب عن عناصر الثقافة الأصلية التي نريد أن ننشئ الطفل عليها باعتبار اللغة وعاء الثقافة وبالتالي يصبح الطفل غريبا عن معتقداته وعاداته والعناصر الأخرى التي تشكل في مجموعها عناصر الثقافة الأصلية الأخرى للمجتمع. لذا نتساءل لمقاومة هذا الغزو المتسلل لعقول وأذهان وسلوك أطفالنا، ماذا أعددنا من وسائط ومؤثرات ثقافية لصيانة هويتهم الثقافية؟ هل لدينا مكتبات عامة مختصة ومخصصة للأطفال؟ هل لدينا مسرح خاص بالطفل؟ هل ننتج ما يكفي من البرامج التلفزيونية المعدة للأطفال وفق معايير ثقافتنا، وتربيتنا، وأخلاقنا، وقيمنا؟ هل لدينا مؤسسات ثقافية وتربوية متخصصة في إصدار الدوريات والمجلات الخاصة بالأطفال؟.
“المقال كاملا في الموقع الإلكتروني”.
* كاتب بحريني


إنها أسئلة محرجة تفضح نقص وغياب الحاجيات الثقافية في المؤسسات التربوية ومحيطنا الاجتماعي وبيوتنا، حيث أطفالنا يعيشون في وضعية تراجيدية محزنة جدا فيما يتعلق بالوسائط الثقافية التي تحيط بهم وتشكل تهديدا خطيرا للمستقبل الثقافي للأطفال وبعدها تشكل تغريبا لهويتنا وثقافتنا العربية الإسلامية.
ليس معنى ذلك أننا ندعو إلى عزل أطفالنا تماما عن الثقافات الأجنبية، مثلا هل يمكن أن نمنع أطفالنا عن الثقافة التكنولوجية؟ حيث أصبحت الأجهزة الإلكترونية جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، خصوصا من حياة أطفالنا. لذلك، يجب علينا جميعاً أن ندرك آثار الاستخدام الزائد للأجهزة الإلكترونية على أطفالنا وكيفية تطوير ثقافة الإنترنت والتقنية فيما بينهم، ما سيساعد على تعزيز مهاراتهم الرقمية والتكنولوجية ويمنعهم من الوقوع في المصائد والأفخاخ القابعة في محيط شبكة الإنترنت بأشكال مختلفة. الواجب علينا أن نراجع أنظمتنا التربوية ونوجد المناعة الثقافية عند أطفالنا، حيث يجب أن نوجد لديهم مهارات التفكير العليا مثل التفكير النقدي والتحليلي والإبداعي، لذلك فالمسؤولية كبيرة وتقع على التربويين في الأسرة والمدرسة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى.
إن الهدف الذي يجب أن نعمل عليه هو غرس الثقافة العربية الإسلامية عند الأطفال وفي نفس الوقت لا نجعلهم ينغلقون عن الثقافات الأخرى. إننا أمام تحد كبير وهو أن نتكيف مع هذا الواقع الجديد، فلا نجعل أطفالنا في عزلة عن العالم الخارجي وفي نفس الوقت يجب علينا أن نعزز الثقافة العربية الإسلامية التي تقوم على الاعتدال والوسطية لديهم. فهل نحن قادرون على ذلك؟

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .