العدد 5765
السبت 27 يوليو 2024
banner
مواجهة الإرهاب بين الحلول الأمنية والحلول الفكرية
السبت 27 يوليو 2024

مواجهة الإرهاب والتطرف الفكري أزمة بحاجة لإيجاد حلول لها، وكنا طيلة الفترة الماضية أمام نوعين من الحلول، هناك الحلول الأمنية التي تقوم على استخدام القوة مقابل الحلول الفكرية التي تقوم على معرفة أسباب الإرهاب وجذوره الحقيقية الفكرية وليس التعامل مع أعراضها، حيث إن علاج الطبيب للمرض يبدأ بتشخيص أسبابه وليس بعلاج أعراضه، فالحلول الأمنية ومواجهة الأعراض والتعامل مع ظاهرة الإرهاب من خلال مطاردة الإرهابيين ووضعهم في السجون مثلا لا يكفي وليس هو الحل المناسب، إنما الواجب مواجهة فكر الإرهابيين والمتطرفين “بالتي كانت هي الداء”، أي مواجهة الفكر بالفكر، ومعنى ذلك أن الإرهاب ليس هو المرض، إنما المرض الحقيقي هو ذلك العمل الإرهابي الذي ينتج عن فكر متطرف وعصبية لا تعطي مساحة للعقل ليتدبر، وإذا كان الإرهاب هو العرض فإن “التطرف الفكري” الذي يقف وراء الإرهاب الحقيقي هو المرض، وحتى يتحقق ذلك لابد من مشاركة مؤسسات المجتمع التربوية والأمنية، وذلك يحتاج إلى استراتيجية شاملة ترتكز على محاولة نشر الفكر الديني الذي يقوم على الاعتدال والوسطية وتوضيح المفاهيم الدينية الصحيحة للدين، خصوصا ديننا الإسلامي، وأن حقيقة العقيدة الإسلامية كما جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أنه في الأصل يجب أن يسود التسامح الفكري والسلام والمحبة بين أفراد المجتمع مهما تعددت انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو السياسية، وذلك لا يعني التقليل من الحلول الأمنية، خصوصا مع الجماعات المتطرفة المسلحة.

وللأسف لو رجعنا إلى أغلب المؤسسات المجتمعية والتربوية في المجتمع مثلا نجد في الأسرة غيابا لدور الوالدين عن متابعة سلوك الأبناء، أو المؤسسات التربوية التي تهمش المادة الدينية، وفي المدرسة نجد أن المنهج الدراسي لا يعمل على تقديم الدين على مرتكزاته الإنسانية.


إنما أحيانا تقدم للشباب المسائل الدينية على شكل فتاوى تقوم على الغلو والتطرف وتترك الشباب لقمة سائغة لجماعات متطرفة ولمن هم لا يملكون الإحاطة الكافية بقضايا الدين وغير متخصصين في الشريعة الإسلامية، ومن جانب آخر دخول وسائل التواصل الاجتماعي على الخط التي معظمها تعمل على نشر الفكر الديني المتطرف، وهناك من يدعون أنهم دعاة يعملون ليس من أجل الإصلاح إنما لتحقيق مصالح خاصة لهم في المجتمع واعتلاء منابر الدعوة لكي يجدو أوضاعا اجتماعية مميزة لهم في المجتمع على حساب من يحملون الفكر الديني التنويري الصحيح الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور.

لذا توجد لدينا في بلداننا العربية بيئة خصبة لاحتضان التفكير المتطرف والظلامي جعلت المجتمع في حرب فكرية بين طوائف وملل، ويستوجب ذلك مشاركة أصحاب الفكر والرأي والأدباء وعلماء الدين التنويريين لترجيح كفة العقول النيرة ضد الجهل والتخلف، ولا نكون كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال عندما تواجه الخطر، فنعمل على ترك الساحة لمن ينشرون الضلال والأفكار الهدامة في المجتمع، هذه هي أزمة الإرهاب التي نواجهها اليوم.

أما عن الأسباب الخارجية للإرهاب فقد شخصها صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل رحمه الله وزير الخارجية السعودي الأسبق في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي: “إن منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة عصيبة تتلاقى وتتقاطع فيها أزمات متعددة في نفس الوقت، من استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في فلسطين وسوريا ولبنان، إلى تفجر الأوضاع على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية وما تلاها من غزو مدمر، إلى أزمة البرنامج النووي الإيراني) ونضيف إليها (حرب غزة)، حيث إن الإرهابيين يستغلونها لتبرير أعمالهم الشريرة وتجنيد أنصارهم، ثم إن ازدواجية المعايير الدولية في كثير من القضايا المصيرية في المنطقة جعلت هناك أرضاً خصبة وتربة لتنامي هذا الفكر المتطرف في المنطقة وغيرها من دول العالم.

لو أمعنا النظر سنجد أننا أمام مشكلة أخرى تعيق القضاء على الإرهاب وهي تحديد المفاهيم مثل مفهوم “الإرهاب” و”الجهاد”، لذا يجب على الأمم المتحدة الاتفاق على وجود مصطلح وتعريف يتفق عليه الجميع للإرهاب والتفريق بين الإرهاب وحق الشعوب المشروع في الدفاع عن نفسها كالحالة الفلسطينية أمام إرهاب الدولة الصهيونية، ولعلنا نصل من خلال ما طرح من نقاط وأسباب إلى رؤية علمية تسهم بإذن الله تعالى وتوفيقه في نجاح جهود مواجهة الفكر المتطرف وحماية الفرد والأمة من خطره ومخاطره بعد أن عرف المواطن والمقيم ما هو الإرهاب وأيقن خطورته ورأى بأم عينيه شدة فتكه وعلم حرمة الانضواء تحت لوائه والإيمان بمرتكزاته ولبناته وتوجهاته.

كاتب وأكاديمي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .