العدد 5760
الإثنين 22 يوليو 2024
banner
التلازم بين الحداثة والحرية (3)
الإثنين 22 يوليو 2024

يعاني الخطاب السياسي في الراهن العربي من النزوع نحو المعارضة المطلقة، أو نحو الامتثالية الكاملة، وإذا كان الخطاب المعارض تمثله أحزاب وجماعات ذات عنوان ورؤى معلنة في أدبيات معلومة، فإن الخطاب “الامتثالي” لا تمثله بالضرورة أحزاب أو جمعيات محددة، إنما هو خطاب ذو طابع اجتماعي - إعلامي يشترك فيه عدد كبير من الأفراد والجماعات أو حتى الجمعيات، من دون خلفية آيديولوجية جامعة، وهو يجهد في الدفاع عن خيارات ومواقف وإجراءات السلطة، من دون أن يكون حزبا للسلطة. ومن ملامحه أيضا:
- الموازنة بين الولاء وأولوية الحفاظ على الاستقرار من ناحية، وبين النزعة النقدية للممارسات والأخطاء من ناحية ثانية، والنزعة المطلبية المتصاعدة، من ناحية ثالثة، وذلك باعتبار “الدولة - في نظره - راعية للشعب ومصالحه واحتياجاته الأساسية”، وهذا ما يفسر تضخم النزعة المطلبية اجتماعيا واقتصاديا، على المطلبية السياسية.
- تثمين ما تُنجزه السلطة على الأرض ضمن حركة البناء والتشييد والتطوير، رغم الصعوبات وتراكم التحديات. ومن هنا ينزع الخطاب نحو الإشادة بالإنجازات المحققة على أرض الواقع والدفاع عنها عندما تتعرض للضغط من الداخل أو الخارج، وذلك لشعوره بارتباط مصيره بمصيرها واستقراره باستقرارها، وازدهاره بازدهارها. إلا أن هذا الخطاب في دفاعه ينزع إلى اتباع طريق رد الفعل بالدرجة الأولى، ولعل هذا عائد إلى أنه متنوع في خلفيته الفكرية وغير محكوم بمرجعية سياسية موحدة، ففيه من التنوع مساحة كبيرة. ومن هنا يأتي رد الاتهامات الموجهة للسلطة ببيان التناقض الصارخ بين ما يحدث في الواقع من تطوّر اقتصادي واجتماعي وسياسي وحقوقي، ضمن نسق البناء المتلازم للحداثة والحرية والديمقراطية ولو بالتدرج، وبين النقد الذي تتعرض له. وأيًّا كان الموقع أو المرجع الفكري أو المنهج السياسي الذي يصدر عنه هذا الخطاب كما الخطابات الأخرى التي سبقت الإشارة إليها في المقال السابق، فإنه لا يمكن بناء الديمقراطية في سياق من الفوضى أو الخصاصة أو الجهل. كما لا يمكن إرساء الحداثة من دون إطلاق الإرادة والحرية وتحرير الطاقات وربط الحرية بالتاريخ.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .