العدد 5752
الأحد 14 يوليو 2024
الحرب على غزة: حالة استثنائية تقود نحو نهايات غير تقليدية (3 من 3)
الأحد 14 يوليو 2024

بشكل غير تقليدي ستفرض تداعيات حرب غزة نفسها على العلاقات الروسية-الأمريكية الراهنة، كي تقود نتائجها نحو الظواهر التالية: 
التنافس الجيوسياسي
ستضاعف حرب غزة من حدة التنافس الجيو- سياسي بين روسيا وأمريكا، حيث تسعى الدولتان إلى ممارسة نفوذهما في الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة سوف تضطر أن تستمر كحليفٍ تقليديٍ قويٍ لإسرائيل، في حين ستبذل روسيا قصارى جهدها كي تحافظ على علاقات مع مختلف دول الشرق الأوسط، بما في ذلك تلك التي تعارض السياسات الإسرائيلية. ويمكن أن تؤدي أي تحولات في التحالفات أو ديناميكيات جديدة ناشئة عن الصراع إلى توترات متزايدة بين القوتين العظميين، مما يؤثر على استراتيجياتهما الدبلوماسية ومفاوضاتهما الدولية، التي يمكن أن تنعكس على شكل خارطة التحالفات، وموازين القوى في منطقة الشرق الأوسط.
المناورات الدبلوماسية
قد يدفع استمرار الصراع ونتائجه، روسيا وأمريكا إلى الانخراط في مناورات دبلوماسية أكثر نشاطا داخل المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة. وقد تسعى كل دولة إلى حشد الدعم لموقفها من الصراع في غزة، مما قد يؤدي إلى اشتباكات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وغيره من المحافل الدولية.يمكن أن تصبح الحرب نقطة محورية لمناقشات أوسع حول حقوق الإنسان والقانون الدولي وحل النزاعات، حيث تجد روسيا وأمريكا نفسيهما في كثير من الأحيان على طرفي نقيض.
السياسات العسكرية والدفاعية
قد تدفع التداعيات الأمنية الإقليمية لحرب غزة روسيا وأمريكا إلى إعادة تقييم سياساتهما العسكرية والدفاعية في الشرق الأوسط. وقد يشمل ذلك زيادة المساعدات العسكرية للحلفاء، أو نشر القوات، أو إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع الشركاء الإقليميين.قد يؤثر أي تهديد متصور للأمن العالمي من الصراع على استراتيجيات روسيا وأمريكا الدفاعية الأوسع نطاقا، مما قد يؤثر على اتفاقيات الحد من التسلح والإنفاق العسكري.على نحو مواز، تذهب استقراءات بعض مراكز الدراسات إلى احتمال وصول تأثيرات نتائج الحرب على غزة إلى الاستراتيجيات العالمية لحلف الناتو من خلال:
إعادة التوجيه الاستراتيجي
قد يحتاج حلف الناتو إلى إعادة توجيه تركيزه الاستراتيجي لمواجهة التحديات الأمنية الناشئة عن الصراع في غزة. وقد ينطوي ذلك على زيادة الاهتمام بالشرق الأوسط، لتحقيق الاستقرار في المنطقة، ومنع امتداد العنف إلى المناطق المجاورة.
وربما ينظر الحلف أيضا في تعزيز وجوده في شرق البحر الأبيض المتوسط وشبه الجزيرة العربية، ربما من خلال التدريبات المشتركة، أو زيادة الدوريات البحرية، أو إنشاء قواعد جديدة.
تماسك التحالف ووحدته
قد تختبر حرب غزة تماسك الناتو ووحدته، خاصة إذا كانت الدول الأعضاء لديها وجهات نظر مختلفة حول الاستجابة للصراع. وفي حين أن بعض الأعضاء قد يدافعون عن اتخاذ موقف قوي ضد المعتدين المتصورين، قد يدعو آخرون إلى إيجاد حلول دبلوماسية ومساعدات إنسانية. إن ضمان استجابة موحدة لحلف الناتو من شأنه أن يحافظ على مصداقية الحلف وفعاليته. وقد ينطوي ذلك على بذل جهود دبلوماسية مكثفة لمواءمة مواقف الدول الأعضاء ووضع استراتيجية متماسكة.
مكافحة الإرهاب والتهديدات الهجينة
من المرجح أن تؤثر إمكانية تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي وتعزيز الأنشطة المتطرفة على استراتيجيات الناتو لمكافحة ما يسمى بالإرهاب. فقد يعطي التحالف الأولوية للجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب والتطرف والتهديدات الهجينة الناشئة من الشرق الأوسط. وقد يشمل ذلك تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية، بين قوى متصارعة بزيادة الدعم لمبادرات ما أصبح يعرف باسم سياسات مكافحة الإرهاب الإقليمية، ونشر قوات العمليات الخاصة لتحقيق الاستقرار في المناطق المتضررة.
الجهود الإنسانية وإعادة الإعمار
قد يمارس حلف شمال الأطلسي أيضا دورا في الجهود الإنسانية ومشروعات إعادة الإعمار في غزة وغيرها من المناطق المتضررة. ويمكن أن يشمل ذلك توفير الدعم اللوجستي لتقديم المساعدات، والمساهمة في مشاريع إعادة الإعمار، وإعادة بناء البنية التحتية الحيوية. ومن شأن هذه الجهود أن تعالج الأزمة الإنسانية المباشرة وتساعد على تحقيق الاستقرار في المنطقة على المدى الطويل، والمساهمة في الأمن العالمي. على نحو مواز من غير المستبعد أن يتسع نطاق تلك التأثيرات كي يشمل: 
أمن الطاقة
يمكن أن يؤثر تأثير الصراع على الاستقرار الإقليمي على أمن الطاقة العالمي، وخاصة فيما يتعلق بإمدادات النفط والغاز من الشرق الأوسط. وقد يحتاج حلف شمال الأطلسي والدول الأعضاء فيه إلى تطوير استراتيجيات لضمان التدفق المستمر لموارد الطاقة. وربما يشمل ذلك تنويع مصادر الطاقة، وتأمين الطرق البحرية، وتعزيز الشراكات مع البلدان الحيوية المنتجة للطاقة.
تعزيز التعاون مع الشركاء الإقليميين
قد يسعى حلف شمال الأطلسي إلى تعزيز التعاون مع الشركاء الإقليميين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمواجهة تحديات حرب غزة. ويمكن أن يشمل ذلك توسيع الشراكات القائمة، وإقامة تحالفات جديدة، وزيادة الجهود التعاونية في مجالات الأمن والتنمية والحوكمة.هذا يقود ذلك إلى أن تكون النتائج المحتملة غير تقليدية، وتصل إلى درجة عالية من الاستثنائية، على المستويين القصير الآتي، والمستقبلي البعيد.كل تلك التحولات تقود نحو نتيجة مفصلية استراتيجية تؤكد أن نتائج الحرب على غزة ستولد تداعيات بعيدة المدى على العلاقات الدولية والاستراتيجيات العالمية، تجبر كل من القوى العظمى والتحالفات الدولية العسكرية منها والسياسية على الانتقال نحو مشهد معقد، من اجل تحقيق التوازن بين مصالحها الاستراتيجية والحاجة إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي ومعالجة التحديات الأمنية الناشئة. لذا سيتطلب حل الحرب على غزة نهجًا متعدد الأوجه يعالج الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مدعوما بدعم والتزام دوليين قويين.

 

* خبير إعلامي بحريني، رئيس الاتحاد العربي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية