نفتقد بوفاة الأخ والصديق الفاضل، ورفيق الدرب موسى عبد العزيز شحادة (أبو صفاء)، علم من أعلام القطاع المصرفي الإسلامي، رجل الأعمال البارز، والمصرفي البارع، ورائد من رواد المصرفية الإسلامية، شكل طوال مسيرته المشرفة نموذجاً للتفاني والإخلاص في العمل، وقناعة لا تتزعزع في العمل المصرفي الإسلامي، حيث عمل بلا هوادة من أجل نشر وتوسيع نطاق المصرفية الإسلامية مدفوعاً برؤية إنسانية واجتماعية غير مسبوقة في تاريخ هذا القطاع، مدركاً لأهمية تعزيز الاستدامة والمسؤولية المجتمعية بأنها الشريان الأساسي الذي يُغذي المجتمع ويُعزز التنمية المستدامة.
سار على نهج من سبقوه وعلى رأسهم المرحوم، بإذن الله، الأخ الفاضل الشيخ صالح عبد الله كامل طيب الله ثراه، والمرحوم، بإذن الله، فضيلة الشيخ عبد الحميد السائح طيب الله ثراه، وغيرهم من الذين وضعوا حجر الأساس للصيرفة الإسلامية وطبقوها على أساس الاحتكام إلى قواعد وتعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء.
حقق نجاحاً مميزاً منذ التحاقه بالبنك العربي في القدس عام 1961، ثم في البنك الأهلي في العاصمة الأردنية، ومواصلة تحصيله العلمي في جامعة بيروت العربية – كلية التجارة، وتخرج فيها بدرجة البكالوريوس في التجارة عام 1960.
ثم غادر إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1977، ليعود منها بشهادة الماجستير من جامعة سان فرانسيسكو عام 1978.
حمل خبراته العلمية والعملية ليبدأ مشواره في خدمة وبناء البنك الإسلامي الأردني عام 1978 وهي مؤسسة مصرفية عريقة نشأت وقامت على أساس الاحتكام إلى قواعد وأحكام وتعاليم الشريعة الإسلامية، كشركة مساهمة عامة محدودة لممارسة الأعمال التمويلية والمصرفية الاستثمارية طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
هنا برزت موهبة أبو صفاء، في القيادة المؤسسية، وفي الإدارة الحكيمة، وفي شخصيته التي اكتسبها منذ طفولته، في فلسطين ومعاناتها، وما اكتسبه من تواضع، وعشق للمعرفة، وعمق في الإيمان والصدق، والإخلاص، وحب العطاء، وطموح لا يهدأ في أن يحقق قيمة مضافة لمجتمعه العربي الواسع، والمساهمة في الارتقاء بالمصرفية الإسلامية على الصعيدين العربي والعالم.
فكان لأبي صفاء، في هذه المؤسسة العريقة، البنك الإسلامي الأردني، مسيرة مشرفة، بصماته واضحة في تطوره، والارتقاء به إلى مؤسسة مكتملة البناء والأهداف، منذ أن بدأ بوظيفة مساعد مدير عام، وصولاً إلى منصب مدير عام، ثم الرئيس التنفيذي للبنك، وطوال هذه المواقع التي شغلها، كان رحمه الله، إدارياً ناجحاً بكل المقاييس والمعايير الموضوعية، ما ساهم في وصول هذا الصرح المصرفي الرائد إلى المستوى الذي هو عليه الآن، من خلال إدارته الحكيمة، والصدق والشفافية والعدل والمساواة، ومتابعة أدق التفاصيل في العمل، واحترام الآراء المتعددة من موظفي البنك والحرص على مصالح المساهمين والعملاء والموظفين.
في مسيرته الرائدة، شغل مناصب عدة مهمة في قطاع البنوك والاستثمار بينها: رئيس مجلس إدارة شركة جامعة البترا، رئيس الشركة الإسلامية للتأمين، رئيس مجلس أمناء جامعة البترا، رئيس شركة ستايل الخبراء الاستثمارية المالية، عضو مجلس إدارة مجموعة البركة المصرفية، عضو مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية 2016 - 2018.
ولا شك، فإن أبو صفاء، لمع في الاجتهادات الفقهية لهيئة الرقابة الشرعية، وكان مساعداً فاعلاً للنهوض بالمؤسسة المصرفية الإسلامية، والفقه الإسلامي، انطلاقاً من عدم تفرده بالقرار، والرأي، معتمداً مبدأ الشورى في التعامل، والإصرار على بناء كادرات فاعلة، قادرة على تحمل المسؤولية، وتتمتع بفهم واسع للقضايا المصرفية والاقتصادية في الأردن والعالم، وتحقيق الأهداف المرسومة والتي تحاكي رؤيته لمسيرة البنك والآفاق التي يتطلع إليها لمستقبله. أمام هذه المسيرة التي لم نعرض منها إلا القليل عن حياة وأعمال هذا الرجل النادر في عالم المصارف، وعن مسيرته المشرفة والمضيئة في عالم المصارف والأعمال، يجدر القول، بأن إرثه الذي أصبح أكثر حيوية من أي وقت مضى، يحفزنا لكي نستمر على خطاه في تعزيز المهنة المصرفية الإسلامية، ولكي ننهل من نجاحاته وإنجازاته للتوجه بها بحزم نحو المستقبل.
لقد استحق أبو صفاء، لقب شيخ المصارف الإسلامية، وسيبقى نموذجاً يُحتذى على مدار العمل المصرفي الإسلامي، وجزءاً لا ينفصل عن هذه المسيرة، كما سيبقى بالنسبة لنا وللمجتمع المصرفي الإسلامي مهندساً لهذا القطاع.
آلمنا فراقه، ونفتقده في اجتماعاتنا ومجالسنا، ونفتقد حديثه الرائع وآراءه الثاقبة، واستشرافه للمستقبل.
يا أبا صفاء، لو غبت عنا جسداً ستبقى روحك الجميلة، وستبقى نجاحاتك وإنجازاتك تنير دربنا، وترشدنا إلى أفضل الممارسات للارتقاء بالمهنة التي أحببتها وآمنت بها، وأعطيتها أغلى ما تملك.
رحمك الله، وأحسن مثواك، وأسكنك فسيح جنانه مع الأبرار والصالحين.