العدد 5654
الأحد 07 أبريل 2024
banner
ريادة الأعمال لا ينبغي أن تكون مغامرة طائشة.. “النجاح قيمة”
الأحد 07 أبريل 2024

إن ما نعيشه الآن هو مفترق طرق بين الواقع وتجميله، فإما أن يكون الأمر شكلا من أشكال التجميل المبالغ فيه، أو أن يتحول الأمر إلى مساهمة واقعية فعلية لزيادة ونمو وتنمية الاقتصاد والتحريض، لخلق مستوى ناضج من الرياديين على الصعيد الفكري والتنفيذي. 
إن الترويج لفكرة المغامرة وريادة الأعمال على أنها متعة، وأن الفشل هو جزء من هذه المتعة، جعلت في أذهان شبابنا أن الحل الوحيد لهم هو ترك الوظيفة التي اتهمت بأنها “مملة”، والانطلاق من الوظيفة إلى تأسيس شركة ريادية في بيئة متغيرة تنتظرهم في نهايتها أموالا طائلة، والتي ما هي إلا صورة مجملة وبرّاقة وقد تكون مزيفة في بعض الأحيان، وهذه الصورة حفّزت المتأثرين بها لاقتحام هذا العالم الغامض، متصوّرين أنه وبمجرد أن تصبح رائد أعمال وتمتلك شركة ريادية يعني أن تجني الأموال الطائلة وتستمتع بالمغامرة. 
إن اللعب على أوتار حساسة تتعلق بأن تبدأ ريادة الأعمال مبكرا لتكون استثنائيا، ولتجني المليارات “كما يدعي البعض” في كبرك، ما هي إلا ضرب من الجنون. والحقائق والأرقام تبين فشل معظم المشاريع الريادية في بدايتها، نظرا لندرة الخبرة ونقص المعرفة في عالم يزيد يوما بعد يوم تعقيدا. عندما يحضر عالم ريادة الأعمال إلى الأذهان دائما ما يتصدر اسم مارك زوكربيرغ وبيل غيتس وستيف جوبز كمؤسسين لأكبر الشركات الريادية في العالم، حتى أضحت قصصهم مكررة، وبعيدة عما يدور في عقول شبابنا ممن يطمح إلى الثراء السريع. 
نطالع يوميا العديد من صحف المال والأعمال المليئة بالعديد من القصص المحزنة لتعثر الشركات الريادية، كان سببها الترويج المبالغ فيه نوعا ما لأسلوب الحياة الخاص برواد الأعمال وطريقة حياتهم السهلة وجنيهم الأموال السريعة وهم جالسين في غرفهم.
ولا تكاد مكتبة في هذا العالم تخلو من عناوين لكتب رنانة تجذب انتباه الباحثين عن وهم الغنى السريع، ولا نرى في المقالات المنتشرة والرنانة على وسائل التواصل الاجتماعي إلا عن سبل تحقيق النجاح وتكوين شركات ريادية يتدلى منها وهم الغنى والثراء، والترويج لعالم ريادة الأعمال بشكل مبالغ فيه بحجة دور هذه الشركات في الخروج من المأزق الاقتصادي ودفع عجلة الاقتصاد.

وهذا ما أوقع شبابنا اليوم في فخ محتوى تثقيفي تجميلي من الظاهر، قائم على تزييف الواقع الفعلي، مع إهمال جوانب عدة تتعلق بالإمكانات والخبرات والموهبة وتغييب الابتكار. بالإضافة إلى جرهم لواقع ريادة الأعمال غير المدروسة، وغياب الخطط واضحة المعالم، وعدم الأخذ بعين الاعتبار عدم اليقين في هذا الشأن. 

وهذا ما أثبتته نتائج الدراسة الصادرة عن “CB Insights”، والتي أظهرت أن 90 % من الشركات تفشل عند دخولها أسواق المنافسة، بسبب ما تم ذكرة سابقا من غياب للخطط والبرامج والخبرات وغيرها.. ورمي الحقائق المغلوطة والمزيفة عن “الثراء الوهمي” لتأسيس الشركات الريادية. 
وفي المقابل، عادة ما يتم تجاهل بعض الحقائق التي لا يرغب الكثيرون في معرفتها، لأن لقب “مؤسس” لشركة ريادية أصبح يسيطر على عقول شبابنا. والمتعمق في قراءة كتاب “خرافة ريادة الأعمال” لمؤلفه مايكل جيربر، الذي يؤكد به “أن ريادة الأعمال لا تصلح للجميع”؛ يجد أن الممارسة العملية، الواقعية والفعلية، بعيدة كل البعد عن المحتوى الترويجي المزيف لوهم ريادة الأعمال غير المدروسة، والتي لا تركز سوى على الثراء الفاحش “الموهوم”. 
وعلى الصعيد الشخصي، إنني أكثر من يدعو إلى تبني مفهوم ريادة الأعمال وأكثر من يدعمها اليوم، ولكنني أدعو إلى أن تكون أكثر جدية وواقعية، وألا تكون مجرد هوس ينتهي بالفشل وينتهي أثرها بعد جهد كبير. 
وأنادي دوما بوجود تشريعات ملائمة لطبيعة الأنشطة الريادية، وأن يكون هناك مستثمرون يبحثون عن الفرص الابتكارية وتبنيها، مع الأخذ بعين الاعتبار حاجة السوق لها، لاسيما أن معظم الشركات الريادية التي تفشل في وقتنا الحالي بسبب عدم حاجة السوق للمنتجات أو الخدمات المقدمة من قبلها أو شدة المنافسة. كما أنادي أيضا بضرورة التمييز بين الموظف العادي الذي اعتاد العمل على وظيفة معينة، والريادي الذي يمتلك “العقلية الابتكارية الريادية”، مع مراعاة الفروق بينهما وضرورة تزويد كليهما بمتطلبات ريادة الأعمال الناجحة، جنبا إلى جنب مع دراسة السوق وامتلاك المهارات والخبرات اللازمة لريادة الأعمال في الوقت الحالي.  
 إن الترويج المبالغ فيه، وتشوية الحقائق لشبابنا وإيهام كل منهم بأنه سيكون مارك زوكربيرغ أو ايلون ماسك القادم، سيكون لها الأثر السلبي على إغراقهم وإقحامهم في عالم من الفوضى دون إنذار ودون تخطيط مسبق. 
أدعوكم جميعا للتعمق أكثر، والعقلانية والتخطيط المسبق ودراسة السوق، والدخول في مجال ريادة الأعمال المدروسة ووضع الخطط المناسبة لدفع عجلة النمو الاقتصادي، حتى لا تكونوا فريسة لسوق متغيرة ومتسارعة، وينتهي الأمر للفشل.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .