العدد 5652
الجمعة 05 أبريل 2024
banner
قوانين المنافسة.. هل نطبقها؟
الجمعة 05 أبريل 2024

تم إصدار القوانين لتشجيع المنافسة الشريفة في التجارة ومنع الاحتكار. وهذا يعد تطورا ملحوظا لدفع التجارة الحرة وتهيئة المناخ الصحيح لانتعاش التجارة والاستثمارات الأجنبية. والوضع القانوني المتميز سيفتح شهية التجار للعمل تحت غطاء المنافسة القانونية الشريفة، ولكل مجتهد نصيب. ولكننا نلاحظ وجود بعض الأمور التي لابد من أخذها في الحسبان، حتى تتحقق المنافسة الشريفة، بعيدا عن الممارسات الضارة التي أشارت لها قوانين المنافسة وحظرتها، وسنت سيف العقوبات على مرتكبيها، مع ملاحظة أن العقوبات تكون في بعض الحالات كبيرة جدا بحيث تتجاوز الغرامات الملايين، إضافة إلى العقوبات الجزائية القاسية. 
والممارسات التي تؤثر على المنافسة الشريفة كثيرة، ولكن بعض الشركات تبدع في التأثير على المنافسة عبر إخفاء السلع والخدمات أو وضع قيود عليهما أو نقل معلومات غير حقيقية عن الشركات الأخرى المنافسة أو إيقاف التعامل معهم دون مبرر أو إيقاف الإنتاج للتأثير على الطلب أو تخفيض الأسعار بأقل من التكلفة لإغراق السوق والإضرار بالمنافسين  وهكذا، يصبح اللعب غير نظيف في ملعب التجارة. وأحيانا، يكون اللعب مخالفا تماما للقانون، لأن بعض الشركات تقوم بتقديم الرشاوى وغيرها من الممارسات الفاسدة غير الشريفة.
من الناحية المبدئية وتحقيقا لأسس العدالة الطبيعية، نقول، لابد من أن يتم فرض وتطبيق قوانين المنافسة على جميع من يعمل في التجارة، أي نوع من أنواع التجارة، ومن هذا يجب المساواة بين الجميع من دون فرز، وإلا يعتبر القانون كأن لم يكن وعديم الفائدة ولن يتمكن من تحقيق الهدف. 
من أهم الحالات التي نرى فيها عدم المساواة في تطبيق قانون المنافسة ما يتم حيال شركات “القطاع العام” أي الشركات الحكومية، أو تلك التي تملك فيها الحكومة نسبة تملك عالية، والتي تم تأسيسها خصيصا لتعمل في التجارة وفق الأحكام والوسائل التجارية. هذه الشركات في واقع الأمر لا يطبق عليها قانون المنافسة كما يطبق على شركات القطاع الخاص. وهنا مربط الفرس، لأن شركات القطاع العام الحكومية تعمل كما تشاء ومن هذه المعاملة التفضيلية تنتهي العدالة، لأن بعض الشركات لديها تمييز وحماية بل وحصانة تامة في وجه القانون. وهذا الوضع الخاص يكسر مبدأ المنافسة ويهدمه، لأن النظام المتبع يعطي الشركات الحكومية حرية العمل من دون حدود، وليعمل منافسها ما يشاء من أجل البقاء أو ليترك المجال إذا ليس في مقدوره مواجهة الشركات ذات “الحصانة الرسمية” واللباس الحكومي.

 والأمثلة كثيرة ونرى الكثير من شركات القطاع الحكومي تتحدث عن الأرباح والإنجازات والسيطرة الكاملة على السوق وغير هذا من الادعاءات الترويجية اليومية. ولهذا نجد الشركات الحكومية في ساحة الميدان دون منافس لأن المنافسة غير متوافرة وتظل بعض أحكام قوانين المنافسة محجوبة بل غير قابلة للتطبيق. ولابد من مراجعة “الحصانة” الممنوحة لشركات القطاع الحكومي وإلزامها بممارسة أعمالها التجارية وفق الأسس الموضوعة لتحقيق المنافسة وهذا بدوره سيحقق منع احتكار الشركات الحكومية للتجارة ويفتح الباب أمام المجتهدين في القطاع الخاص، وهم كثر ويمتهنون التجارة لكسب العيش الشريف، وهم على استعداد للمنافسة بشرط أن تكون شريفة ووفق أصول اللعب ويشرف عليها “حكم” نزيه يعرف قوانين اللعبة.
النقطة الثانية تتعلق بسياسة اندماج بعض الشركات مع بعضها، واندماج الشركات في حد ذاته يكون مفيدا، لأنه يمنح الشركة الجديدة المزيد من رأس المال والقوة والتجربة والدماء الجديدة، ما يمكنها من تقديم الأعمال والخدمات بصورة أفضل للمستهلك وللجميع. ولكن من مكمن هذه القوة قد تأتي ممارسات تضر بالمنافسة الشريفة. فهل نسمح باندماج الشركات في كل الحالات؟ بالتأكيد من الاندماجات الكبيرة ومن إيجاد الكيانات الاقتصادية الضخمة هناك بعض المؤثرات السلبية التي قد تضر بالمنافسة الشريفة، لأن المنافسة في أصلها ستنعدم تماما بين العملاق والقزم. ولابد من إعادة مراجعة الفقرات الخاصة باندماج الشركات في قوانين المنافسة والعمل على تفصيلها بمهارة وبحيث لا يؤثر قيام الاندماج على المنافسة الاعتيادية الشريفة بين الشركات ويقود لخلق نوع من الاحتكار الضار بواسطة كيانات اقتصادية ضخمة تغطي كل المكان بجسمها. ولهذا نلاحظ معارك قانونية حامية الوطيس خصوصا بين أميركا من جهة وأوروبا من الجهة الأخرى، حيث امتنعت الجهات الرسمية في العديد من هذه الدول من الموافقة على بعض الاندماجات، وهم يستندون في هذا على أن الاندماج سيخلق “بعبعا” كبيرا في السوق لا يستطيع آخر العمل معه ناهيك عن منافسته يدا بيد وقدما بقدم. وكما نعلم، أن الحالات التي تم فيها رفض الاندماج كثيرة وتشمل شركات الطيران والبنوك والعقار والاتصالات… والقائمة تطول. وهنا تبرز أهمية دور الجهات الرقابية الإشرافية، التي تضع نصب أعينها مصلحة المستهلك والتجارة الحرة قبل مصلحة الشركات ونقول، إن توجيه الاندماجات والتكتلات يحتاج إلى بوصلة مراقبة ذات مهنية نزيهة وفاعلة، وعلينا وضع ضمانات في قوانين المنافسة بحيث تتم الموازنة بين مصلحة التجارة ومصلحة الشركات التجارية.
من الممارسات الجميلة التي نلاحظها في بعض الدول، أن بعض الشركات الكبيرة تقوم بوضع لائحة “كود شرف” للممارسات القانونية الشريفة التي تلتزم بها الشركة كالتزام أخلاقي وقانوني ومجتمعي. وهذا تطور محمود يسعى لوضع البدائل المؤسسية للالتزام بالمنافسة الشريفة والنزاهة والأمانة في جميع الممارسات وفي كل الأوقات. أنظر مثلا، أهداف وقيم شركة “سوني” التي تقول “املأ العالم بالعاطفة عبر قوة الإبداع والتقنية” مع العمل لصالح المجتمع والمنافسة بشرف وأمانة في كل الأوقات والظروف. ونتطلع إلى أن تحذو شركاتنا هذا الحذو وأن تقوم بإصدار مثل هذه اللوائح المتضمنة للأهداف والقيم والاسترشاد بها في أعمالها، وقطعا في نهاية الأمر ستستفيد الشركات من هذه التوجهات النبيلة المتصاعدة في عالم التجارة والاستثمارات، لأن العالم يشعر ويحس بمن يقدم له الحقيقة بنية صادقة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .