أظهرت الدراسات المستقبلية أنَّ الذكاء الاصطناعي الذي يقوم على تعلُّم الآلة، وعلى استخدامات البيانات الكبرى، وإنترنت الأشياء، سيشكِّل خلال السنوات الثلاث القادمة نحو 15 % من حجم الاقتصاد العالمي، أي ما يقرب من 20 تريليون من الدولارات.

وتشير دراسات تطبيقية إلى أنَّ الذكاء الاصطناعي يعزِّز الإنتاجية البشرية بنسب متفاوتة، أمّا في مجال الوظائف والإحلال بدلاً من البشر، فإنَّ الذكاء الاصطناعي بات يغدو محدِّداً رئيساً في ثلاثة محاور أساسية، فمن جهة يشير تقرير وظائف المستقبل إلى أنَّه قبل نهاية العام 2027 ستختفي وتتقادم نحو 83 مليون وظيفة، وفي المقابل ستظهر نحو 69 مليون وظيفة جديدة جلّها تتعلَّق بالمجالات التقنية وبفضاء استخدامات الذكاء الاصطناعي.

ومن جهة أخرى، تشير الدراسات إلى أنَّ ما يزيد على 40 % من الوظائف القائمة حالياً سيحتاج إلى مهارات جديدة تتعلَّق بالرقمنة والذكاء الاصطناعي، وأنَّ 75 % من الأعمال حول العالم ستتبنّى نوعاً أو أكثر من تقنيات الذكاء الاصطناعي قبل نهاية هذا العقد. ومن جهة ثالثة، بات واضحاً أنَّ الخريجين الجدد لن يجدوا وظائف ما لم يمتلكوا مهارات يتطلَّبها الذكاء الاصطناعي، والتي تأتي على رأسها مهارات الاتصال والتواصل، واللغة الإنجليزية، والمهارات الرقمية.

ذلك أنَّ وظائف المستقبل القريب هي في مجالات هندسة البيانات، والتقنيات الصناعية والزراعية، وعلوم البيانات تخزيناً وتوظيفاً. وقد أظهرت مقالة حديثة في مجلة التمويل والتنمية، التي تصدر عن صندوق النقد الدولي، أنَّ استخدامات الذكاء الاصطناعي باتت عابرة للحدود وتتطلَّب من صنّاع القرار على المستوى العالمي صياغة أُطر عالمية للإفادة من إيجابيات الاستخدام، وتُخفِّف أو تضبط السلبيات الاقتصادية والاجتماعية لتلك الاستخدامات على المجتمعات.

وتعدُّ التشريعات الأوروبية، التي تُصنِّف استخدامات الذكاء الاصطناعي حسب خطورتها على البشرية، بدايةً مهمَّةً لتوجُّه عالمي يضبط إيقاع توغُّل استخدامات الذكاء الاصطناعي، والذي بات لا مندوحة عن احتواء بعض تأثيراتها السلبية في شتى قطاعات الحياة الاقتصادية والاجتماعية. المنطقة العربية تحتاج إلى جهد مؤسَّسي تكاملي مماثل لإعداد تشريعات تسعى للتعظيم من مغانم استخدامات الذكاء الاصطناعي، ويضبط مغارمه الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة في سوق العمل.

- كاتب أردني وأستاذ السياسات العامة المشارك بكلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية