فيلم "هجان": العزف على مقام الجمل!
الفيلم السعودي ( هجان ) للمخرج ابو بكر شوقي، يمثل خطوة هامة في رصيد السينما السعودية علينا التوقف امامها بكثير من البحث والتحليل لأنها تذهب الى مقام سفينة الصحراء .
وعبر منهجية عمل انتاجية احترافية عالية المستوى لولا بعض الملاحظات على صعيد كتابة النص والتي نقبلها لأنها تأتى في البدايات من تاريخ المرحلة الراهنة من مسيرة السينما السعودية التي تحقق اليوم نهضة بارزة للحاق بركب النقلة الكبري التي تعيشها المملكة العربية السعودية وعلى كافة المستويات .
( هجان ) حصيلة تعاون انتاجي مشترك بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والمملكة الاردنية الهاشمية، حيث يتم تسخير امكانيات مادية وخبرات عريضة سواء من قبل مركز اثراء او الهيئة الملكية للأفلام وايضا ماجد زهير سمان ( اثراء ) ومحمد حفظي ( فيلم كلينك ) ورولا ناصر ( ايما جينا يوم ) .
وقد صورت مشاهد الفيلم في منطقة رم (حيث توجد سباقات الهجن ) ومنطقة ضبعة وتبوك بين المملكة الاردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية حيث تم تامين اسناد لوجستي عال المستوي لما تتمتع بين الهيئة الملكية الاردنية للأفلام من خبرة عريضة كانت نتيجتها استقبال أكبر المشاريع الانتاجية العالمية .
خلف العمل فريق من الكتاب من بينهم مفرج المجفل وعمر شامة ومعهم ايضا في الكتابة المخرج ابو بكر شوقي ورغم ذلك ظلت احداث السيناريو مكشوفه وواضحة ومتوقعة وان ظل الاستثناء هو مشهد الفارسة الرائع قبل المشهد الاخير من الفيلم والذي يبدو مستعاد ( ونقصد النهاية ) بينما مشهد قفز الفارسة ( ولا يمكن هنا استخدام مفردة هجانة لأنها تأتى كجمع لمفردة هجان ) . ذلك المشهد يذهب بعيدا في دلالاته ومضامينه اعتبارا من الانتقام من العم القاسي الى ترسيخ حضور المرأة ودورها في هذه المرحلة من تاريخ السعودية .
ونذهب الي المتن الروائي حيث حكاية ( مطر ) الذي يري مشهد اغتيال شقيقة في إحدى سباقات الهجن لتبدأ رحلته الانتقامية على ظهر ناقته ( حفيره ) التي كان قد أنقذها بعد ان اعتقد الجميع بانها ماتت لحظة ولادتها . وحتى لاحقا امن الجميع بانها لا تصلح لشي سوي الاكل . ولكن قناعات وايمان ( مطر ) تجعله يراهن عليها للذهاب بعيدا وصولا الى حريتها وحريته من جبروت ( جاسر ) ( عبد المحسن النمر ) الذي جاء الى عالم الهجن بعد وفاة شقيقة وسيطرته على كل شي بما فيها زوجة اخية الرافضة له لأنها تعرف بانه شخص لا يحب الا نفسه .
جملة التفاصيل المتبقية تتمحور حول مجموعة السباقات وحالة المواجهة بين الطفل ( مطر ) و( جاسر ) الذي يريد الفوز والشهرة رغم انه لا يمتلك تلك العلاقة مع الجمال او حتى مع الهجانة الذين يعملون تحت أمرته ويلبون خططه التي تعيق اي هجان من الفوز غير فارسه المفضل وناقته .
في الفيلم الذي يفترض انه يتوجه بنسبة كبيرة للأطفال لا تبدو الحالة قريبة من الاطفال سواء عبر الحوار او طبيعة الصراع والشخوص .
ان طبيعة بناء السيناريو تبدو ومنذ الوهلة الاولي معروفة النتائج حيث الصراع بين الخير والشر وحتمية نهاية الشر . سواء من خلاله علاقة ( مطر ) مع ( جاسر ) او علاقة ( جاسر ) مع منافسة ( ابراهيم الحساوي ) او ( جاسر ) وزوجه اخية وحتى ( جاسر ) والناقة . وايضا ( جاسر ) والعاملين تحت إمرته . لذا تأتى حتمية سقوط هذة الكتلة من الشر .
لقد حاول المخرج ابو بكر شوقي ان يتجاوز كل الاشارات والمشهديات التي شاهدناها سابقا في عدد من الاعمال السينمائية الذي تسير في ذات النهج ومنها الفيلم الاردني ( ذيب ) للمخرج ناجي ابو نوار .
ليبتعد ان التكرار او تلميح البعض للتكرار او الاقتباس لذا انشغل بموضوع السباقات وأجواءها على حساب الكثير من المشاهد ومن بينها هروب ( مطر ) الذي قاده الى تلك الدروب الضيقة بين جبال وادي رم .
ان مقام الجمل او البداوة يبدو انه سيكون المقام الحاضر والمستعاد في كم من الافلام التي تتناول المنطقة والمملكة العربية السعودية وهو مقام ثري يتجاوز حدود البداوة والتقليدية في الطرح الي الذهاب الى موضوعات أكبر تستحضر الانسان والظروف التى تحيط وتتخطي ألف باء الكتابة الى مساحات أعمق .
وهنا نعود الى السيناريو الذي فرغ من الكثير من التشابكات التي كان بالإمكان ان تثري وتعمق حالات الصرع وتمنح التجربة توهج أكبر .
وعن التوهج لا يمكن باي حال من الاحوال تجاوز الموسيقي التصويرية الرائعة التي صاغها الموسيقار التونسي امين بوحافة ( ونحن هنا امام مسيرة عامرة بالبصمات والانجازات ) وهو هنا امام بحث موسيقي ثري يستدعي الكثير من الثيمات التي ما تأتي من عمق الزمن والموروث حتى تذهب الى فضاءات البحث الموسيقي المعمق الذي قدمه هذا المبدع الموسيقي ليقدم لنا حالة موسيقية تتوائم مع الظرف الموضوي ولكن بمعايير فنية تذهب الى المشاهد في كل مكان وتتجاوز الطرح التقليدي للكتابة لهكذا نوعية من الاعمال . انه مقام اخر وصياغة اخري وبحث يذهب المنطقة قصية ابعد من حدود الفيلم.
وهكذا الامر مع البصمة البصرية لمدير التصوير الذي منح العمل الكثير من الاحتفاء بالمكان ليكون جزءا اساسيا من الحدث .
المخرج ابو بكر شوقي يمسك بأدواته يعي جيدا بانه امام تجربة استثنائية تذهب به من عالم بمشبع بالهم الانساني الى فضاء صراع في صحراء مترامية الاطراف بشخوصها واحداثها وصراعاتها .
في الفيلم احتفاء البداوة والبيئة والمنطقة وايضا سفينة الصحراء ومكانتها في الموروث العربي بشكل عام والسعودي بشكل خاص .
في الاداء نجوم راحت تتباري كل بأسلوبه وحلوله وهنا نظل بأمس الحاجة ان حالة من الدوزنه لتظل عملية المحافظة الى ذلك المقام حتى لا نكون امام حالات من الاداء تتحرك في اتجاهات متعددة بين عفوية وبساطة ( مطر ) وهدير ( جاسر ) ( عبدالمحسن النمر ) واتزان وعمق ( شيماء الطيب ) ( وهي فنانة ذات امكانيات عالية ) والمسحة الانسانية المركزة في اداء ( ابراهيم الحساوي).
فيلم هجان اضافة حقيقة لرصيد السينما السعودية والعربية وخطة متقدمة في مسيرة اثراء التي تقدم عام بعد اخر وتجربة بعد اخري بصمات ترسخ مسيرتها ودورها واستراتيجيتها البعيدة المدي لتقديم نتاجات سينمائية تليق باسم السعودية والمكانة الدولية التي تحتلها وترتقي الى الآمال والطموحات الكبري التي تعول بها السعودية على صناعة الفن السابع .
ويبقي ان نقول، فيلم ( هجان ) يعزف على مقام الجمل .. والمتعة .