ولربما كان أهم تأثير مباشر يمارسه الذكاء الاصطناعي في الفضاء الاقتصادي هو حجم الاستثمار الذي حظت به الشركات الناشئة (ٍStart-up companies) العاملة في مجالات الذكاء الاصطناعي بشقيه المباشر وغير المباشر. فقد جمعت شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة مبالغ قياسية من التمويل الاستثماري في السنوات الأخيرة.
فوفقا لتقارير مؤسسة Crunchbase، جمعت الشركات الناشئة النشطة في مجالات الذكاء الاصطناعي، خلال النصف الأول من العام 2023 ما "مقداره 25 مليار دولار من التمويل، وهو ما يمثل حوالي 18% من إجمالي التمويل العالمي، بما فيها 10 مليارات دولار كانت من نصيب شركة مايكروسوفت". ومؤخرا أعلنت شركة أمازون عن عزمها على رصد مبلغ 4 مليارات دولار كحصة استثمارية في مجالات الذكاء الاصطناعي المختلفة، كي يتسنى لها اللحاق بمن سبقوها في هذا المجال من أمثال "غوغل" ومايكروسوفت.
ومن بين تلك الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي التي نالت حصة الأسد من التمويل، يمكن رصد الشركات كما يتضح في الجدول المرفق بالمقال.
وتكمن مجموعة من الأسباب التي تفسر نجاح شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة في لفت واستقطاب أموال المستثمرين، بفضل قدرتها على إحداث ثورة في العديد من الصناعات، بما في ذلك الرعاية الصحية، والتمويل، والنقل، والتصنيع. كما يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير منتجات وخدمات جديدة، مثل السيارات ذاتية القيادة، والمساعدين الافتراضيين، وأدوات التشخيص الطبي.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة لا تزال استثمارات جديدة نسبيا، ومحفوفة بالمخاطر. ومن الطبيعي أن يكون العديد من شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة في المراحل الأولى من التطوير، ولم تحقق أي إيرادات بعد. بالإضافة إلى ذلك، تتطور صناعة الذكاء الاصطناعي بسرعة فائقة، مما يعني أن شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة تحتاج إلى الابتكار باستمرار للبقاء في صدارة المنافسة.
بشكل عام، فإن مشهد التمويل للشركات الناشئة الذكاء الاصطناعي قوي للغاية. إذ يتوق المغامرون إلى الاستثمار في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة التي لديها القدرة على قبر العديد من الصناعات الحالية، وخلق أسواق أخرى جديدة.
وتتلقى شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة تمويلا كبيرا لعدة أسباب مقنعة، مما يعكس الإمكانات التحويلية للذكاء الاصطناعي في مختلف الصناعات. وفيما يلي بعض الأسباب الرئيسية التي جعلت الشركات الناشئة للذكاء الاصطناعي تجذب استثمارات كبيرة، في الآونة الأخيرة:
إمكانات السوق: يدرك المستثمرون إمكانات السوق الهائلة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، كونها تخاطب مجموعة كبيرة من القطاعات، بما في ذلك الرعاية الصحية والتمويل، والنقل، والتصنيع. لقد أصبح لدى الذكاء الاصطناعي القدرة على تحسين العمليات الحالية في مثل تلك القطاعات، مما يؤدي إلى توفير التكاليف، وخلق قنوات مكاسب غير مسبوقة، وزيادة عدد فرص الإيرادات الجديدة.
الابتكار والاضطراب (Disruption): غالبا ما تقدم شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة حلولا مبتكرة للمشاكل طويلة الأمد. إنهم يستفيدون من التعلم الآلي، والتعلم العميق، ومعالجة اللغة الطبيعية ورؤية الحاسوب لتطوير منتجات وخدمات متطورة يمكن أن تتفوق على الأساليب التقليدية، مما يؤدي إلى اضطراب (Disruption) في الصناعات القائمة.
خفض التكاليف: يمكن للذكاء الاصطناعي أتمتت المهام التي كانت كثيفة العمالة ومكلفة في السابق. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى تخفيضات كبيرة في التكاليف للشركات، مما يجعل من شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة استثمارا جذابا للمؤسسات التي تتطلع إلى تحسين عملياتها.
قابلية التوسع: العديد من حلول الذكاء الاصطناعي قابلة للتطوير بدرجة كبيرة. بمجرد تطويرها. ويمكن تطبيق نماذج الذكاء الاصطناعي على مجموعة واسعة من حالات الاستخدام بتكلفة إضافية منخفضة نسبيا. إن إمكانية التوسع هذه جذابة للمستثمرين الذين يبحثون عن شركات يمكن أن تنمو بسرعة.
الشراكات الاستراتيجية: كثيرا ما تشكل شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة حاضنة لشراكات استراتيجية مع شركات راسخة، مما يخلق فرصا للنمو المتبادل. يمكن أن تشمل هذه الشراكات عمليات تكامل التكنولوجيا، أو المشاريع المشتركة، أو الاستثمار المتكامل.
ثقة المستثمرين: مع نضوج تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتمظهر الفوائد الملوسة، تزداد ثقة المستثمرين في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة. هذه الثقة تؤدي إلى زيادة فرص التمويل وباستثمارات أكبر.