العدد 5269
الأحد 19 مارس 2023
banner
التعليم... ثم التعليم
الأحد 19 مارس 2023

لم تكن مصادفة تلك التي جمعتني بفكرة وأنا أشارك في المؤتمر السنوي لإحدى مؤسسات التصنيف الجامعي العالمية في دولة الكويت الشقيقة قبل أيام، أما الفكرة، فهي التعليم ثم التعليم.
المؤتمر الذي استضافته إحدى الجامعات الخاصة بالكويت لم يكن هاجسه هو تلك الفكرة، ولم يكن التشديد على التعليم هو الهدف أو هو المرتجى، لكن من جلسات العمل، ومن مداولات الأكاديميين شعرت بأن التعليم مازال ينقصنا، وأن التفكير مازال يجانبه التوفيق معنا، وأن المعرفة مازالت الهدف الذي لم يتحقق رغم الشعارات المرفوعة، والمناهج الموضوعة، والإحداثيات التي تتراءى للعلماء والمفكرين في بلادنا.
مازلنا نترك المسئوليات الكبرى لمن لا يستطيعون محاكاة مشكلات الواقع وتلمس قضاياه، ومازلنا نتعامل مع التكنولوجيا وصناعة المعرفة على أنها ترف، أو رفاهية، رغم أنها ضرورة، وصفة ليست منتهية.
أمامنا طريق طويل من التعليم والتعلم حتى ندرك أن التعليم منهج حياة، وأن المعرفة طريق لم يكن مفروشًا أبدًا بالورود، بل إن التيقن من امتلاك أدوات التحديث لبرامج التعليم يحتاج إلى خبرات متراكمة ومراحل متتابعة، وآليات قديرة.
إن زيارتي للكويت والتقائي بعض الأصدقاء أتاحت لي فرصة للتفكير عن بُعد؛ للتحاور حول أدق معطيات الحياة في الإقليم المتباهي في التردد، والتشتت، والحكم على ظاهر الظواهر.
مازلنا في منتهى السطحية؛ لأن العلم ينقصنا، والتعليم غير كامل الأوصاف، والأطر الراعية مازالت غير متفهمة بأن الشراكة مع المجتمع ومؤسساته، مع العلماء ومنظومتهم المفككة تحتاج إلى إعادة صياغة من أجل أن يحقق التعليم أهدافه، وحتى نستطيع إدراك أن العالم الذي سبقنا إلى مضامير المعرفة والتقدم العلمي الهائل كانوا على أعلى درجة من التفاهم مع المؤسسات والمجتمعات المستهدفة.
لا شيء يأتي اعتباطيًا، ولا شيء يتحقق بالصدفة، كل شيء يحتاج إلى تخطيط، إلى رعاية وشراكة مجتمعية حكومية، وإلى آليات عمل وجداول أعمال لا تخطئ ضالتها المنشودة.
ونحمد الله ونشكر فضله أننا في مملكة البحرين وخلال قرن من التعليم أستطيع التأكيد على أننا وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح، وأنه لولا تلك الشراكة بين الدولة العريقة والمجتمع العميق، ما تحققت تلك النهضة العلمية التي نفخر بها، والتي ننتظر منها أن تحقق لنا الأكثر والمزيد.
إن هذه السفرة السريعة جعلتني أرى حياتنا الجامعية من بعيد وكأنها تمضي على الطريق الصحيح، وكأننا حققنا جزءًا لا بأس به من أمانينا، يبقى فقط أن نُسيِّج السراج، وأن يكون مدادنا مُصانا، مُهابا، ولا يمكن الاستغناء عنه.
يبقى فقط أن نتعلم كيف نفكر خارج الصندوق، وكيف نحلق بعيدًا عن العواصف والكثبان، وكيف لا نقع في الخطأ مرتين، بل وأن نستفيد من أخطائنا، وأن ندرك بأننا نمتلك من المقومات التي تجعلنا نفخر بأننا بحرينيون، وأننا على الدرب القويم.
قديمًا حلمنا بجامعات أهلية وخاصة، وها نحن اليوم لدينا أكثر من 13 جامعة أهلية وخاصة، وقديمًا حلمنا بأن تكون لدينا منظومة مستقلة تتمتع بها الجامعات وتصبح المشغل، والدولة هي التي تراقب، جامعات حريصة على توعية المجتمع وخدمته، وحكومة ترعى المنظومة برمتها، وتحثها على العطاء أكثر فأكثر، بمرور الوقت أصبحت لدينا مؤسسات داعمة لحركة التعليم، بل وللجامعات برمتها، هيئة ضمان جودة التعليم والتدريب بعد مجلس التعليم العالي طبعًا.
ونحمد الله ونشكر فضله بأن لدينا قيادة حكيمة مدركة بأن التعليم هو حجر الزاوية التي يركن إليها المجتمع، وأن هذا التعليم هو سلاح الإنسان في هذا الزمان وهذا المكان، بل وإن التعليم ثم التعليم هو الذي سيجعل من البحرين بوسطن الخليج، ليس لأنها مؤهلة تاريخيًا وجغرافيًا فحسب، إنما لكونها مدركة تمام الإدراك بأن العلم نور، وأن المجتمع المستنير هو الذي يستطيع أن يفكر بحرية، وينتج بوفرة وجودة، ويواصل المسيرة وهو مؤمن بوطنه وناسه وقدرته على الحياة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية