لا أفهم كيف يفكر بعض نوابنا الأفاضل، فمنذ انطلاقة الدورة البرلمانية الحالية ونهج هؤلاء هو أنّ جل مخاطباتهم تنحصر في أبناء دوائرهم فقط. إنّ عمر التجربة البرلمانية لدينا يفوق العشرين عاما، وهذا في نظري يعد كافيا ليستوعب هؤلاء مفهوم النائب البرلماني، أي أنه ممثل لكل أبناء الشعب لا جماعة واحدة منهم هم أبناء دائرته، وإلاّ ماذا تعني الأسئلة الموجهة للوزراء من قبيل “كم عدد الطلبات الإسكانية لأبناء دائرتي”؟
أعتقد أنّ تكريس مثل هذا المبدأ في المجلس النيابيّ لا يخدم العملية البرلمانية، بل يعني أنّ همّ كل نائب حصر نفسه في منطقة جغرافية لا يتعداها، أي أبناء دائرته فحسب، ويعني أيضا غيابا تاما للمفهوم الذي استقر في الأذهان بأنه نائب الشعب. كان في تصوري أنّ النائب عندما أعلن ترشحه للمجلس النيابيّ فإنه وضع ذاته لخدمة جميع المواطنين بلا استثناء، لكنّ ما درج عليه البعض منهم نسف كل تصوراتي للأسف، ولعل من المفارقات العجيبة أنّ جميع هؤلاء النواب كانت برامجهم الانتخابية تخاطب الجميع، بيد أنها بعد الفوز كانت على النقيض.
إذا كان هؤلاء النواب يعتقدون أن حصر تحركاتهم داخل حدود دوائرهم يجعلهم الأقرب إلى المواطنين، وبالتالي يضمن كسب أصواتهم في المرات القادمة فإنهم بلا شك واهمون، ذلك أنّ التجربة أكدت أنّ ما يرسّخ شخصية النائب ويجعله الأكثر مصداقية هو من يترافع عن قضايا الجميع لا فئة منهم، ولعل الاستفتاء الذي أجرته “البلاد” قبيل أشهر قلائل حول أفضل خمسة نواب والأكثر إنجازا خلال الدورة النيابية الفائتة يعد دليلا قاطعا على حقيقة ما أشرنا إليه. لقد عبّر هؤلاء النواب الخمسة عن هموم جميع أبناء الشعب، ولم يحصروا ذواتهم في دوائرهم.. من هنا استحقوا بجدارة ثقة المواطنين، كانوا الضمير المعبّر عن ما يهم المواطنين لا فئة منهم كما نقلوا هواجس الجميع بصدق.
أما الذّين خذلوا المواطن ممن أطلقوا الشعارات والوعود والتفوا عليها فإنّ الفشل الذريع كان مصيرهم المحتم.
*كاتب وتربوي بحريني