العدد 4859
الأربعاء 02 فبراير 2022
banner
غاندي أيقونة النضال
الأربعاء 02 فبراير 2022

قبل أن تقرأ شيئا عن سيرة داعية “اللاعنف” المهاتما غاندي، هل كنت تظن أن بوسع هذا الرجل أن يقود أكبر عملية لتحرير بلاده وتخليصها من وحشية الاستعمار؟ كان الظنّ أن الرجل الذي عُرف بدعوته السلمية أنه لم يكن سوى واحدا من البسطاء الطيبين الذين لا تتجاوز أحلامهم العيش في قريته الوادعة، بيد أنّ صاحب هذا الجسم الضئيل قاد أكبر عملية تحرير في القرن العشرين، أي أنه تحول من حرفة رعي الأغنام إلى حرفة التحرير.
نعم كان رافضا هيمنة القوى الاستعمارية وبسط سيطرتها على بلاده ونهب خيراتها. إنّ المستعمرين تسكنهم عقيدة أن شعوب آسيا وأفريقيا وكل البلدان التي تنتمي للعالم الثالث من السهل استعبادها ولقرون طويلة لمجرد أنها تمتلك القوة، واتباعها سياسة فرق تسد التي كانت السلاح الأشدّ فتكا، وظنت أنها من خلاله يمكنها البقاء إلى ما شاء الله، لكنها كانت واهمة. كما كان المستعمر يراهن على أنّ الفقر وحده كاف لقهر واستعباد الشعوب، وأنه من الاستحالة أن يخرج بينها زعيم بحجم المهاتما غاندي، ولم يكن يخطر ببال القوى المستعمرة أن تتوحد الأمة الهندية ذات يوم تحت قيادة هذا الزعيم التاريخيّ الاستثنائيّ، لكن ما اجترحته شعوب الهند لم يكن له أي مثيل بين كل الشعوب. انطلق المقهورون والمحرومون والمسحوقون ينددون بالممارسات اللاإنسانية للاستعمار الذي حرمهم من أبسط حقوقهم كبشر، وذاكرتهم مثقلة بما يمارسه المستعمر من همجية وقهر.
كان نضال الشعب الهندي وبطولاته مثار إعجاب كل بلدان العالم، فلم يكن يتصور أحد أن المقاومة السلمية أو اللاعنف التي تفتقت عنها ذهنية غاندي بوسعها أن تربك الاستعمار، والأدهى أنها جعلته يعيد حساباته ومخططاته بالبقاء إلى أمد بعيد، وأجبرته في النهاية على الرحيل. ثم إنّ الموت بالنسبة إليهم بات أمرا لا مفر منه، لأنه يبقى خيارا حتميا لإنقاذ الوطن.
من هنا فإنّ الكتاب الذي اشتغل عليه الأستاذ الباحث عبدالنبي الشعلة “غاندي وقضايا العرب والمسلمين” حول شخصية وعبقرية غاندي جاء معبرا عن شخصية القائد الملهم غاندي، ذلك أنّ هذا الزعيم يعد واحدا من الزعامات النادرة، بل إنه يعد أيقونة للشعوب المقهورة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية