تحتفل الطوائف المسيحية بعيد الميلاد المجيد، وإن اختلف تاريخ الاحتفال بين طائفة وأخرى فإن ذلك لا يلغي أهميته، وهو احتفال ديني واجتماعي يُقرب المسافات بين الطوائف الدينية في العالم، ويؤكد مبدأ التعايش الإنساني السلمي بين البشر، تحقيقًا للمصالح الإنسانية المشتركة النابذة للكراهية والعُنف والرامية لتحقيق الرفاه والسلام والأمن والاستقرار الإنساني.
وتحظى جميع الأديان السماوية بإجلال البشر جميعًا، ومحبة معتنقيها، فجميع الأنبياء والمرسلين رُسل الله لهداية البشر، يتمتعون بمكانة سامية يهدون إلى الحق وينشرون نور الله في ملكوته، ولا يكتمل الإيمان إلا بالإيمان بهم جميعًا، فالإيمان بهم لا يجزأ، والإيمان بهم جميعًا أمرٌ إلهي وواجب ديني، والاحتفال بيوم مولدهم عيد لنا جميعًا.
وتتجدد الاحتفالات بمولدهم في كل عام، وهي مناسبة للحوار الداخلي بين الدين الواحد، وللحوار الديني بين الديانات السماوية الثلاث (اليهودية، المسيحية، الإسلام)، وللحوار بين الديانات السماوية والديانات الأخرى في العالم، على أن يستند هذا الحوار على أن الدين دعوة للمحبة والسلام والتآلف.. حوار يهدف للقضاء على ظاهرة التشدد الديني ويجتث العُنف باسم الدين، ويمنع الحروب والنزاعات والهيمنة على البشر وعلى ثرواتهم، حوار يهدف إلى القضاء على الجهل والتمييز والتعصب، والتعاون على تحقيق الهدف المشترك بين الأديان والالتزام بما يُحقق كرامة الإنسان ونيله حقوقه الإنسانية، حوار قائم على مفهوم أن الدين علاقة بين الله والإنسان، وإن اختلفت الأديان فهدف العبادة لا يختلف فهو يتوجه إلى ذات الله ولوجهه الكريم.
وتحتفل القُدس وجل البيوت الربانية في فلسطين وأحيائها، وشوارعها تضيء الأنوار والزينات، ومع ما تحمله من آلام فإن أهلها ينشدون الترانيم المجيدة، رافعين أكفهم للسماء داعين لتخليصهم من هذا الألم وذلك الضيم، وتشاركهم في الاحتفال والدعاء كُل الأفئدة التي تهوي لهذه الأرض المباركة.
مشاركة الآخرين في أعيادهم واحتفالاتهم نافذة للاعتراف بالآخر، واعتراف بالتنوع الديني والثقافي، وقيم التسامح والتعايش، لنجعل ذكرى ميلاد أنبيائنا مهرجانًا للفرح وأملًا يبث الضياء وسط هموم الأجواء المشحونة بالتوترات والصراعات والأمراض الملوثة لحياة الإنسان وبيئته، فعيد ميلاد الأنبياء مناسبة تذكرنا برسالة المحبة المفعمة بالسلام والأخوة والتآلف والتضامن، ولتنعم الأرض بالسلام والمحبة بين شعوبها.