العدد 4726
الأربعاء 22 سبتمبر 2021
banner
أميركا وإشكالية الانقلاب الديموغرافي
الأربعاء 22 سبتمبر 2021

على الرغم من أن كتاب الصحافي الأميركي الأشهر، بوب وودوارد، والذي سيصدر خلال أيام، تحت عنوان "الخطر"، قد فتح الباب واسعا لفكرة إمكانية حدوث انقلاب عسكري في الداخل الأميركي، وهو الأمر الذي كثر الحديث عنه خلال فترة رئاسة الرئيس ترامب، وبسبب تعمق الشرخ الحادث بين المؤسسة العسكرية الأميركية، وبين السياسيين المدنيين، بالرغم من ذلك يبدو أن هناك انقلابا من نوعية أخرى تتهدد الداخل الأميركي جراء تغير التركيبة السكانية للبلاد.

قبل نحو أسبوع أصدر مكتب الإحصاء السكاني أحد أكثر التقارير أهمية وتفصيلا بشأن تغير الخارطة السكانية لمواطني الولايات المتحدة، وكذا توجهات هجراتهم في الداخل الأميركي، ما بين ولايات الشمال وولايات الجنوب، والفئات العمرية، والنوع الإنساني أي الجندر ما بين ذكور وإناث، والشاهد أنه غير خافية على أحد الأهمية الفائقة لمثل هذه الإحصائيات، والتي على أساسها ترسم الأفق الاستراتيجية للبلاد، وتتضح ملامح ومعالم المستقبل.

تأتي الإحصائيات هذه المرة في ضوء تشارع وتنازع واضحين في الداخل الأميركي على مسألة صعود تيارات عرقية وخفوت غيرها، والصراع ما بين أنصار تيار يرى أن أميركا لابد أن تبقى بوتقة انصهار لكل شعوبها المهاجرة من جهة، وبين تيار آخر يميل إلى إعلاء شأن الهويات العرقية والمحافظة عليها، بل والتمسك بها، الأمر الذي يمكن أن يتسبب في صراع عرقي أميركي في نهاية المطاف، يقود من دون أدنى شك إلى احتراب أهلي أو طائفي.

ما الذي تقوله بيانات مكتب الإحصاء هذه المرة؟ تشير الإحصائيات إلى أن السكان الواسب، أي البيض البروتستانت الأنجلو ساكسون، أولئك الذين مثلوا الشريحة الأولى من المهاجرين الأوروبيين قبل ثلاثة قرون إلى الأراضي الجديدة غرب المحيط الأطلنطي، يشيخون وقد تراجعت نسبتهم لتصبح أصغر قياسا على الإطلاق من إجمالي عدد السكان.

وبالأرقام، فقد انخفض عدد السكان البيض منذ عام 2010، من غير اللاتينيين بنسبة 2.6 %، فيما زاد عدد السكان الأميركيين الأفارقة بنسبة 5.6 % منذ عام 2010، والعهدة على الراوي، صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

ماذا عن عدد السكان المنحدرين من أصول آسيوية في الداخل الأميركي؟ بحسب البيانات الإحصائية الأخيرة، فقد زاد عدد السكان الآسيويين بنسبة 35 %، وهذا أمر مزعج بالنسبة للسلطات الأميركية أول الأمر، لاسيما في ظل موجة من العداء لكل ما هو صيني بعد انتشار جائحة كوفيد - 19 المستجد داخل البلاد.

من جانب آخر ارتفع عدد السكان من أصل أسباني بنسبة 23 %، كما ارتفع عدد الأشخاص الذين أبلغوا عن أكثر من عرق واحد، وهي طفرة غير متوقعة ستجذب تركيزا كبيرا من الديموغرافيين.

هل تغيرت الأرقام عن الإحصاء الكبير الذي جرى عام 2000؟ نعم ذلك كذلك، لاسيما على صعيد العرق الأبيض، ذاك الذي كان يمثل نحو 69 % من سكان البلاد، واليوم لا يتجاوز 58 %، بتناقص يصل إلى 11 % في عقدين، وهو مؤشر كارثي.

هذه الأرقام ستدفع إلى تنامي الحركات اليمينية العنصرية، وربما تشعل أوار انفصال بعض الولايات البيضاء، وهذا ما نبه إليه فرنسيس فوكاياما في مؤلفه "الهوية: الحاجة إلى الكرامة وسياسات الاستياء".

الخلاصة.. الانقلاب الديموغرافي ربما يكون أشد خطرا من نظيره العسكري.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .