العدد 4717
الإثنين 13 سبتمبر 2021
banner
“لا شيء كالمدرسة”
الإثنين 13 سبتمبر 2021

ليس طلاقاً بائناً بين المعلمِ والفصل، وبين الطالب والمدرسة، والرجعة حتمية ومقرونة بانتهاءِ الوباء أو خِفةِ أُواره ولا شك، هذه الرجعةُ التي بدأتْ واقعاً؛ فأثلجتْ صدورَ الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور على حدٍ سواء. يحدثُ ذلك حين يُحرم العبادُ من نعمةٍ مُنِحُوها ولم يستشعروا عظيمَ شأنها، تماماً كنعمةِ العلمِ والتعلم، حتى تزولَ تلك النعمةُ، فيتمنونَ لو أنهم قدَّروها حقَّ قدْرِها، ولم يستهينوا بمكانةِ العلمِ والمُعلم.

لدخولِ الحرمِ المدرسي بعد فراقٍ طويل شعور لا يُوصف في نفوس الطلبة الذين مرُّوا عبرَ بواباته بجذلٍ وشوق لأول مرة، وقُوبل هؤلاء بذاتِ اللهفة والحب من قِبلِ معلميهم، أولئك الذين عبَّروا عن فرحٍ عارمٍ برجوع طُلابهم ودبيبِ الحياةِ في جدران غرفِ الدرس وسُبوراتها. الفرحةُ والحماسة بدتْ واضحةً كذلك في سلوكِ أولياء الأمور منذ البداية، حيث أبدوا رغبتهم الشديدة في تسجيل أبنائهم الطلبة للحضور الفعلي للمدرسة للفصل الدراسي الحالي، إيماناً منهم بأهمية العلمِ والمعرفة في بناءِ كياناتِ أبنائهم وتطورِ شخصياتهم وتمكينهم من الارتقاء بجودةِ الحياة والانتفاعِ بمواردها. يجدر القول إن ذلك ما كان ليكون لولا الجهود الحثيثة التي بذلتها المملكة في الشهور السابقة في تتبعِ مُجرياتِ الحالة الراهنة ودراسةِ الإحداثيات وإمكانية العودة للمقاعدِ الدراسية بحسب المعطيات، آخذةً في الاعتبار سلامةَ الطالب في المقامِ الأول، وملتزمةً بالإجراءات الوقائية والاحترازاتِ المعمول بها لمكافحةِ تفشِّي الوباء، وقد تجسَّدَ ذلك في القرارات الحكيمة التي صدرتْ عن وزارة التربية والتعليم، والتي تتماشى مع آلية الإشارة الضوئية المرتبطةِ بحضور الطلبة أو انتقالهم إلى التعلمِ عن بُعد.

ولا ندَّعي أنَّ التعلمَ عن بُعد هو الأفضل، لكنه أنقذ عملية التعلمِ في مرحلةٍ هي من أقسى المراحل التي مرَّتْ على العالم، فأضرتْ بشتى القطاعات الحكوميةِ والخاصة، وكان على التربية والتعليم أنْ تواكبَ التغيرات، وتتجاوزَ المنعطفات الحادة التي مرت بها، من خلال التعلم عن بعد، لكننا لا نُنكرُ أنَّ التعلمَ النشط لا يكون إلا من خلال التلاقي الحي بين المعلمِ والطالب، ذلك اللقاءُ المباشر هو ما يفرزُ حالةً من الودِ ويعززُ الارتباط بين الطرفين، ويؤسسُ لبيئةٍ واقعيةٍ للتعلمِ الجاد والمثمر؛ فتتحققَ أهدافُ التعلم بنسبةٍ تفوقُ تلك النسبةَ التي يحققها التعلمُ عن بعد بطبيعةِ الحال. ولا ننكرُ أن أبناءنا الطلبة وإنْ مارسوا عمليةَ التعلم الافتراضي ونجحوا، إلا أنهم لم يأخذوا عمليةَ التعليم والتعلم بجديةٍ كما كانوا يفعلون في المدرسة، ولا يبدو أنهم تعلَّموا حقاً من خلال التعلم عن بُعد، إذ إنَّ همهم كان أنْ ينجحوا وإن لمْ يتعلموا، فهل تراجع العلمُ بعد الجائحة وساهم في ذلك التعلم عن بعد، وهل يُنذرنا ذلك بتفشي الجهل والتقهقر المعرفي؟ هل آنَ الأوانُ لبزوغ فجرٍ جديد يعيد مجد العلم والمعرفة قوامهُ التعلم الواقعي والتعلم الافتراضي؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية