العدد 4704
الثلاثاء 31 أغسطس 2021
banner
القانون وأثره في المجتمع والاقتصاد
الثلاثاء 31 أغسطس 2021

في مناسبات عديدة ظل القانون يلعب دورا كبيرا في المجتمعات. وهناك لحظات كان فيها دور القانون أساسيًا، وسيذكر التاريخ هذه اللحظات. ونشير إلى ما تعرضت له دول أوروبا وخاصة “منطقة اليورو” لنكسات اقتصادية بسبب أزمة الديون التي ألقت بظلالها على الجميع. وظل الاتحاد الأوروبي في استنفار لمساعدة الدول المتضررة. وبحثت “المفوضية الأوروبية” في اتخاذ الإجراءات، ومنها، إنشاء اتحاد للمصارف الأوروبية، تعيين مراقب عام للبنوك الأوروبية في منطقة اليورو، إصدار تشريعات أوروبية جديدة من أهمها قانون “تنظيم آلية الاستقرار الأوروبي” و”صندوق إغاثة دول منطقة اليورو التي تعاني من الديون”. وكان الهدف من هذه التشريعات خلق أدوات ضرورية لإنقاذ مستقبل منطقة اليورو بإنشاء “آلية الاستقرار” و”صندوق الإغاثة” والعمل علي جمع المال لإقراضه للدول. وتم اقتراح بدائل منها إصدار القوانين، ووافقت الدول الأوروبية، ولكن الوضع تعثر في ألمانيا لأن الأحزاب السياسية والمنظمات المؤثرة اعترضت بشدة على إصدار القوانين. وبسبب إصرار الحكومة الألمانية على إصدار القوانين، قامت الجهات المعترضة بتصعيد الأمر ورفعه للمحكمة الدستورية الألمانية استنادا إلى أن إصدار قانون “آلية الاستقرار الأوروبي” و”صندوق إغاثة دول منطقة اليورو التي تعاني من أزمة الديون” يخالف الدستور الألماني ويجب عدم إصداره. ولكن الحكومة الألمانية، والتي ظلت الدينامو المحرك لدعم منطقة اليورو ولدعم الدول المحتاجة، تقدمت بآرائها القوية وحججها القانونية للمحكمة الدستورية في مواجهة ادعاءات عدم دستورية القوانين. وظلت أنفاس كل أوروبا ومعها ألمانيا، مكتومة لحين صدور قرار المحكمة الدستورية والتي قررت أن إصدار القوانين لا يخالف الدستور الألماني. وهذا كان قرارا مدويا من المحكمة الدستورية وهكذا دخل هذا القرار التاريخ وأدخل ألمانيا وكل أوروبا في التاريخ.

وتأتي أهمية قرار المحكمة الدستورية من عدة نواحي أولها تأكيد هوية ألمانيا كجزء من أوروبا المتحدة، وهذا تفسير متطور للدستور بما يتماشى مع روح العصر الاتحادي والابتعاد عن النزعة الألمانية (القديمة). ومن الناحية الأخرى، فإن أهمية القرار تأتي في أنه منح القوة الدافعة لدعم الدول المحتاجة بل في استمرار بقاء الوحدة الأوروبية. وتنفست أوروبا الصعداء يوم إصدار قرار المحكمة الدستورية التي منحت الحق للرئيس الألماني لاعتماد القوانين وتوقيعها لتصبح جزءا من القانون الألماني. وهذا الوضع ما كان ليتم لولا قرار المحكمة الدستورية وتفسيرها للدستور الألماني بأن روحه ومفاهيمه تقوم على مبادئ الوحدة الأوروبية ولذا يجب استمرار ألمانيا في هذا الاتجاه وتنفيذ كل السياسات والتشريعات وفق هذه المفاهيم والسير نحو الوحدة الأوروبية واعتبار ألمانيا جزء لا يتجزأ من الوحدة الأوروبية. وقالت المستشارة الألمانية، بعد صدور القرار “إن هذا يوم عظيم لألمانيا ويوم عظيم لأوروبا”، وكذلك أشادت دول الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية والبورصات وأسواق المال بهذا القرار ووصفته بأنه القرار القانوني “الدستوري” المنقذ لحياة الاتحاد الأوروبي والحاسم لبقاء منطقة اليورو. بل إن بعض الجهات المؤثرة قالت إن الاتحاد الأوروبي ولد من جديد وبشهادة ميلاد ممهورة بتوقيع قضاة المحكمة الدستورية الألمانية، ما يقود إلى استمرار الوحدة الأوروبية بمفاهيم جديدة قائمة على الاقتصاد الأوروبي بل وعلى كل اقتصاد العالم. وهكذا أثر القانون في المجتمع.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية