العدد 4660
الأحد 18 يوليو 2021
banner
الخدمات الطبية والعلاجية وواجب الشكر والتقدير
الأحد 18 يوليو 2021

انقطعت عن الكتابة لأربعة أسابيع بسبب عارض صحي مقلق ألم بي فجأة، لا علاقة له بجائحة كورونا، اضطرني إلى اللجوء إلى مستشفى قوة دفاع البحرين، وبالتحديد مركز محمد بن خليفة آل خليفة التخصصي لأمراض القلب؛ ظنًا مني بأنني كنت أعاني مشكلة في القلب. وقد أُجريت لي على الفور كل الفحوصات اللازمة والتي تم على إثرها تشخيص الداء، وتلقيت العلاج الصحيح وعدت والحمد لله إلى حالتي الصحية الطبيعية.

وفي الحقيقة هذه هي المرة الأولى التي ألجأ فيها لمستشفى حكومي لإجراء فحوصات وتلقي العلاج، وأحببت أن أشارك القرّاء الأعزاء بإيجاز شديد تجربتي، وأن أدلي بشهادتي، امتثالًا لقول الحق سبحانه وتعالى (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه)؛ وذلك ردًّا على الأصوات التي ترتفع بين الحين والآخر منتقدة ومشككة في مستوى الخدمات والرعاية الصحية التي توفرها الدولة بسخاء.

إن بعضا من هذه الأصوات ترتفع ضمن أجندة تسيّس كل شيء، والأخرى ترتفع كعادتها لتُنكر وتتنكر للإيجابيات وتفتش عن الأخطاء والسلبيات أو تختلقها، أصوات تلتفت عن المساحات المضيئة وتبحث عن الزوايا المظلمة، أصوات لا يخلو منها أي مجتمع، وهي ليست بالضرورة سيئة أو مضرة، وقد تكون مفيدة ونافعة لكشف الثغرات، ولضمان بقاء حالة الانضباط واليقظة، ولاستمرار جهود الارتقاء بالأداء، والرصد والمتابعة من قبل المسؤولين المعنيين.

لقد بهرني المستوى الرفيع للخدمات اللوجستية والطبية التي تقدمها الدولة للمواطنين والمقيمين في هذا البلد الطيب المعطاء، فقد كانت كل المعدات والأجهزة المطلوبة لجميع أنواع الفحوصات والعلاجات متوافرة وبأدق وأحدث المبتكرات والطرز، إلى جانب توافر الكفاءات البشرية والأطقم الطبية الوطنية والوافدة القادرة على التشخيص والعلاج بكل كفاءة واقتدار، وبأسلوب راق في التعامل مع المرضى مفعم بالحنان واللطف والاحترام عاكسًا ثقافة المؤسسة ومستوى التدريب والتوجيه. شاهدت كل ذلك في الوقت الذي كانت فيه الطواقم الطبية والمنظومة الصحية برمتها واقعة تحت وطأة الضغوط والتحديات التي فرضتها جائحة كورونا وتدفق موجاتها وتحوراتها المختلفة، حيث أثبتت هذه المنظومة كفاءتها ومقدرتها على الصمود والتصدي والنجاح.

صحيح أنني كنت مبهورًا وفخورًا بما شاهدت، لكن ذلك لم يكن مفاجئا، فأنا، مثل كل المواطنين والمقيمين، على إدراك تام بأن الدولة كانت ومازالت تضع “العناية والرعاية الصحية” في أعلى أولويات برامجها التنموية، وأن المستوى العالي الذي بلغته هذه الخدمات إنما جاء نتيجة طبيعية ومتوقعة للبذور وللجهود التي بذلها الآباء والأجداد من قادتنا من آل خليفة الكرام ابتداء من مبادرات المغفور له الشيخ عيسى بن علي آلِ خليفة الذي حكم البلاد من 1869 إلى 1932م والذي عرفت البحرين في عهده، قبل غيرها من دول المنطقة، الخدمات الطبية الحديثة عندما افتتح أول مركز طبي في العام 1892، كما أنشأ في عهده مستشفى الإرسالية الأميركية في العام 1903، وبعده مستشفى فيكتوريا البريطاني، مدشنًا بذلك مسيرة زاخرة بالعطاء والإنجازات الحكومية على صعيد الخدمات الطبية التي تقدمها الدولة مجانًا لكل المواطنين والمقيمين، والتي ظلت مستمرة منذ ذلك الوقت وتوجت، قبل عشر سنوات، ببناء مجمع مستشفى الملك حمد الجامعي بالمحرق، والملحق به الكلية الملكية للجراحين الأيرلندية، وهي من بين أشهر وأعرق الجامعات الطبية في العالم، كما أن مركز محمد بن خليفة سينتقل قريبًا إلى المبنى الضخم الجديد المخصص له في منطقة عوالي والمجهز بأفضل الأنظمة والأجهزة والمعدات والمرافق والذي سيكون من أحدث المراكز المتخصصة لأمراض القلب في المنطقة.

وقد اهتمت الدولة بتوفير مرافق التعليم والتدريب الطبي لخلق جيل من الأطباء البحرينيين المؤهلين، وابتعثت المئات من الطلبة لدراسة الطب أو للتخصص إلى أفضل الجامعات والكليات الطبية في العالم، كما حرصت على اجتذاب أفضل الخبرات والكفاءات من مختلف دول العالم من الأطباء والاستشاريين.

وعندما زرت مركز محمد بن خليفة، كما ذكرت، التقيت بأخصائي أمراض القلب الدكتور القدير بدران ريسان، مدير المركز، والذي أعرفه لسنوات طويلة، فقام مشكورًا بترتيب الفحوصات المطلوبة ولقاء الأطباء المختصين ومتابعة حالتي باهتمامه المعهود والمعروف للجميع.

والدكتور بدران بحريني من أصل عراقي تم اجتذابه للبحرين قبل أكثر من 40 سنة كواحد من أفضل المرشحين وقتها، وهو من خريجي كلية الطب بجامعة غلاسكو بأسكتلندا التي تعتبر أيضًا من بين أعرق الجامعات في العالم، وحاصل على أعلى الشهادات والدرجات في تخصصه، وعمل لأكثر من 15 عامًا في أكبر مستشفيات بريطانيا قبل قدومه للبحرين.

لقد خدم الدكتور بدران البحرين بكل ولاء وإخلاص طيلة هذه الفترة وما يزال، وساهم في الارتقاء بمستوى الخدمات الطبية في البلاد، وعمل على تأهيل وإعداد الكثير من الكوادر الطبية المتخصصة خصوصًا في مجال أمراض القلب من البحرينيين.

ويحق لنا أن نفخر ونعتز ونزهو بهذه الكوكبة، وهذا العدد الكبير من الأطباء البحرينيين المرموقين والأكفاء الذين أنفقت الدولة بسخاء على تعليمهم وتأهيلهم وتوفير فرص التطور والتخصص لهم، والذين أصبحوا الآن يعملون ويؤدون واجبهم المقدس بكل تفان وإخلاص في مختلف المهام والمواقع في جميع المستشفيات والعيادات المنتشرة في أرجاء البلاد، وكانوا ومازالوا يقفون في الصفوف الأمامية لحماية البلاد والتصدي لجائحة كورونا الفتاكة.

لقد التقيت الكثير منهم في الأيام الأخيرة أثناء ترددي اليومي على مستشفى قوة الدفاع ومركز محمد بن خليفة، ولولا ضيق المساحة لذكرت أسماءهم جميعًا، والتي هي في الواقع محفورة في الضمير والوجدان الوطني، لكنني لا أستطيع أن أتجاوز هذا المحور دون أن أذكر نجمين منهم فقط متخصصين ولامعين في مجال أمراض وجراحة القلب وهما الدكتور حبيب طريف والدكتور حسام نور؛ طبيبان بحرينيان متخصصان يتمتعان بمهارات وقدرات عالية لا تقل عن مهارات وقدرات أكبر وأشهر وألمع الأطباء في العالم المتخصصين في المجال نفسه، كما أن لهما مكانة مرموقة وسمعة طيبة في الأوساط الطبية وفي قلوب وأفئدة البحرينيين وتمتد إلى أبعد من ذلك.

ذكرت في البداية أن هذه هي المرة الأولى التي ألجأ فيها لمستشفى حكومي لإجراء فحوصات أو لتلقي العلاج، وأنا الآن أعبر العقد السابع من عمري، فقد اعتدت عندما أكون في حاجة إلى إجراء فحوصات أو تلقي علاج أن أتجه، على نفقتي، إلى المستشفيات أو العيادات الخاصة في البحرين أو خارجها؛ تعودت ذلك منذ البداية بما في ذلك فترة عضويتي بمجلس الشورى وفترة تقلدي للمنصب الوزاري وما قبل وما بعد الفترتين، وهو أمر يمكن التدقيق فيه والتأكد منه بالرجوع إلى سجلات وزارة الصحة، وهي حقيقة قد لا يصدقها الذين يتهمون الوزراء وكبار المسؤولين ومن يسمونهم بالمتنفذين باستغلال مراكزهم ومناصبهم للحصول على أكبر قدر من المنافع والمزايا على حساب الآخرين، وإنني لست المسؤول الوحيد الذي يتصرف بهذا الأسلوب، ولو جاز لي لقمت بسرد أسماء العشرات أو المئات منهم على سبيل المثال، وكلهم يدركون وعلى قناعة وثقة تامة بجودة الخدمات الطبية والعلاجية التي تقدمها الدولة وبقدرات وكفاءات الأطباء والأطقم الطبية كافة وبإخلاص وتفاني كل المسؤولين والقائمين على القطاع، إلا أنهم ربما يفضلون إعطاء الفرصة لغيرهم للاستفادة من هذه الخدمات.

الحمد والشكر لله أولًا وأخيرًا، وقد قال الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: “من لا يشكر الناس لا يشكر الله”، فشكرًا للدكتور بدران ولكل الأطباء والعاملين في مستشفى قوة الدفاع على ما لقيته من عناية ورعاية واهتمام، وشكرًا لكل أطباء البحرين وطواقمها الطبية، وفوق وقبل ذلك، فإن التقدير والشكر والامتنان أرفعها إلى مقام صاحب الجلالة الملك المفدى وصاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء الموقر، حفظهما الله ورعاهما، على متابعتهما وعلى ما يبذلانه من اهتمام وجهد للمحافظة على المستوى الرفيع للخدمات الطبية وتوجيه المسؤولين المعنيين للارتقاء بها، و”لئن شكرتم لأزيدنكم”، صدق الله العظيم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .