العدد 4612
الإثنين 31 مايو 2021
banner
“حماس” بين النشوة والانتصار (2-2)
الإثنين 31 مايو 2021

تقديرًا لرأي المنتشين بالانتصارات التي حققتها حركة حماس في مواجهتها العسكرية الأخيرة لإسرائيل؛ نعود إلى الخلاصة التي أوردناها أمس في نهاية الجزء الأول من هذا المقال التي تقول: “القوي إذا لم ينتصر فهو مهزوم، والضعيف إذا لم يُهزم فهو منتصر”.


ونعود إلى تلك الانتصارات لنؤكد مرة أخرى أن الانتصار لا يتم تحقيقه، عسكريًا أو سياسيًا، إلا عندما يتم إنجاز الأهداف المحددة والمرسومة مسبقًا  لأي من طرفي النزاع، وعليه فإن أهداف حماس في نزاعها المزمن مع إسرائيل معلنة ومحددة بكل وضوح في ميثاقها، المعروف بـ “عهد حماس” الذي لم تتخل عنه منذ إصداره في العام 1988 وتتلخص في “طمس إسرائيل أو حلها” وإنشاء دولة إسلامية على كامل الأراضي الفلسطينية، كما يؤكد الميثاق  أن “حماس هي أحد فروع الأخوان المسلمين في فلسطين”.


حماس في المنازلة الأخيرة لم تتمكن من طمس إسرائيل أو حلها، ولم تسترجع شبرا واحدا من الأراضي الفلسطينية، ولم تنهِ قضية “حي الشيخ جراح”، وظلت انتهاكات الإسرائيليين لبيت المقدس مستمرة.


لقد أطلقت حماس على هذه الجولة اسم “سيف القدس” وهي المواجهة الرابعة من نوعها التي تخوضها الفصائل الفلسطينية في غزة  في مواجهة إسرائيل، وقد كانت “حرب الفرقان” التي نشبت في العام 2008 هي الأولى، أما الثانية فقد كانت معركة “حجارة السجيل” ووقعت في العام 2012، والثالثة أطلقت عليها حماس اسم “العصف المأكول” حدثت في العام 2014.


في معركة “العصف المأكول” التي دامت 51 يوما، شنت القوات الإسرائيلية فيها قرابة 60 ألفًا و664 غارة على قطاع غزة استشهد على أثرها 2322 فلسطينيًا، بينهم 578 طفلاً، و489 امرأةً وجرح نحو 11 ألفا آخرين، وبلغ عدد الوحدات السكنية المهدمة كلياً 12 ألف وحدة، فيما بلغ عدد المهدمة جزئياً 160 ألف وحدة.


وكما حصل في الجولة الأخيرة، فإن الرأي العام العالمي كان يهتز لهول وفداحة الأضرار التي يتكبدها الغزاويون نتيجة لتلك المواجهات، فكان دائمًا ينتفض وينهض ليشجب وليندد وليدعوا إلى نصرة القضية الفلسطينية من خلال المظاهرات التي تساهم دون شك في الدفع بالقضية إلى الواجهة، ثم تعود الأمور إلى سابق عهدها ويبدأ الحديث عن إعادة إعمار غزة ومن سيتحمل ويدفع تكلفته.


إلا أن المصداقية والإنصاف تتطلب منا الإقرار بأن هذه الجولة اختلفت عن سابقاتها بحيث كشفت عن نجاح حماس في تطوير قدراتها العسكرية، فكانت المنازلة هذه المرة أكثر ضراوة وقسوة، كما أنها أضافت إلى عمق وحضور القضية الفلسطينية كقضية وجود، وحركت بعض القطاعات من عرب 48 في داخل إسرائيل كما لم يحصل من قبل.


وعلى ضوء الميلان الصارخ لموازين القوة لصالح إسرائيل فلا أحد يتوقع أن تحقق حماس أكثر مما حققته في هذه الجولة، وبذلك يحق لها أن تفخر وتنتشي.


لقد وقفت حماس وحيدة في المعركة الأخيرة، يتفرج عليها حلفائها قبل مناوئيها، بدون دعم مباشر من منافستها فتح، وبدون تدخل واسناد محسوس من حلفائها؛ فيلق القدس الإيراني متواجد في سوريا على بعد أمتار من الحدود الإسرائيلية ولم يطلق رصاصة واحدة، والقوة الصاروخية الضاربة لحزب الله متواجدة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية وقد ظلت خامدة هامدة، وأمير المؤمنين السلطان أردوغان اكتفى بإطلاق صواريخه الكلامية الاستعراضية دون تحريك جندي واحد من جنود الجيش التركي (خامس أقوى جيش في العالم) المتواجدين داخل حدود سوريا وشمال العراق وليبيا وغيرها من المناطق.أما العواصم العربية أو معظمها فإنها لم تكن في الواقع تتمنى النصر لحماس لأن ذلك يعني انتصار للإخوان المسلمين ولإيران.


ولا يستطيع أحد أن يمنع الفلسطينيين  أو أي فصيل منهم من ممارسة حقهم الطبيعي في مواجهة الاحتلال، أو أن يفرض عليهم وصايته، أو أن يرتب أولوياتهم نيابة عنهم، لكن ذلك لا يمنعنا من تأكيد قناعتنا بأن الشعب الفلسطيني رغم عدالة قضيته وصلابة إرادته لن يستطيع أن يقنع العالم بإزالة إسرائيل من الوجود؛ إسرائيل كلها، “من النهر إلى البحر” كما تطالب حماس، فإسرائيل أصبحت جزءًا من نظام دولي متكامل، مدعوما وجوده بقوة القوى العظمى وبشرعية الأمم المتحدة، وقد سبق للأسرة الدولية قبل 30 عامًا فقط أن تصدت لـ صدام حسين عندما قرر وباشر في إزالة دولة الكويت من الوجود بضمها إلى العراق.


الشعب الفلسطيني؛ رغم عدالة قضيته وصلابة إرادته لا شك يدرك أنه لن يستطيع وحده تحقيق النصر في مثل هذه المواجهات غير المتكافئة، وأن حل قضيته واستعادة حقوقه المشروعة لا يمكن تحقيقها عن طريق إطلاق الصواريخ، بل من خلال الحوار وبالوسائل السلمية، وبالاحتكام إلى الرأي العام العالمي والعدالة الدولية التي تستجيب عادة للمطالب المنطقية والممكنة؛ شريطة أن يبادر أشقاؤنا الفلسطينيون إلى حل خلافاتهم، وتوحيد صفوفهم، ووضع القضية الفلسطينية في مسارها السياسي، وإفراغها من شحناتها العاطفية والدينية، وإبعادها عن عباءة الإخوان المسلمين ومناهجهم، وإعادة النظر في منظومة علاقاتهم الخارجية التي اتسمت منذ البداية بالرهان على الحصان الخاسر والاصطفاف إلى جانب الطرف الضال؛ فمنذ بداية الأزمة تحالف أو وقف المفتي الحاج أمين الحسيني إلى جانب هتلر وموسوليني في اربعينات القرن الماضي، مرورًا بوقوف ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية إلى جانب صدام حسين عندما احتل الأخير الكويت في العام 1990، واليوم بوقوف إسماعيل هنية رئيس حركة حماس إلى جانب النظام الإيراني الذي يعيش في حالة عداء وتصادم مع محيطه الجغرافي العربي ويعاني من مقاطعة المجتمع الدولي وعزله، هذا التحالف الأخير بالذات أضر بالقضية الفلسطينية وحرمها من الكثير من دعم وتعاطف الدول العربية في الوقت الحاضر.


إلى جانب ذلك، وبكل صراحة، فإن العقل العربي، وخصوصًا الخليجي منه أصبح ينفر ويئن من وطأة وثقل الخطاب التعبوي الدائم لبعض أصحاب القضية، ومن المجازفات والمغامرات العسكرية المتكررة التي تؤدي فقط إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، فكانت مواقف الأنظمة العربية إزاء التطورات الأخيرة في الساحة الفلسطينية انما هي تعبير وانعكاس صادق لحجم التحولات التي شهدتها المجتمعات العربية مؤخرا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية