العدد 4604
الأحد 23 مايو 2021
banner
جسر الخير... أهلًا ومرحبًا
الأحد 23 مايو 2021

قبل سنوات بعيدة وفي العام 1986 تحديدًا كتبت مقالًا مع افتتاح جسر الملك فهد ونشرته في مجلة “هنا البحرين” يحمل عنوان: “جسر الخير”، وبعد مرور هذه السنوات التي تناهز الـ 35 عامًا آليت على نفسي إلا أن أستعير العنوان ذاته وأكرر نشره اليوم مع أول فتح للجسر بعد أكثر من سنة من الإغلاق، استنساخ العنوان ذاته، ولكن مع اختلاف المضمون، مع الشرح والتفنيد، لمغزى لافتة، وفحوى رسالة، وطبيعة مشروع رائد أدى إلى تحويل مملكة البحرين من جزيرة إلى شبه جزيرة، ومن بقعة أرض يانعة تحاط بها المياه من كل اتجاه، إلى بقعة أرض مرتبطة بريًا بعمقها الخليجي العربي، وبوطنها الكبير من “الخليج إلى المحيط”.

قبل 35 عامًا كان “جسر الخير” ترحيبًا بالأشقاء من المملكة العربية السعودية الكبرى، تجسيدًا وتلميحًا وتصريحًا بعلاقات ضاربة جذورها في أعماق التاريخ، وتأكيدًا لضرورة حتمية وطنية وقومية آن لها أن تتجذر بوعي المنتمين، لتطرح ثمارًا من الازدهار والرخاء لكل من يعيش في هذه المنطقة الطيبة.

قبل سنة أو أكثر ولدواعي صحية بحتة تم غلق جسر الخير بعد الهجمة الشرسة لجائحة كورونا، آثرنا الابتعاد المؤقت عن أشقاء سنظل في حاجة إليهم وسيظلون في حاجة إلينا طالما تربطنا وشائج قربى، وأواصر محبة، ومصالح وأهداف وطنية مشتركة.

وبعد مرور سنة أو يزيد ها نحن اليوم أمام الفتح الثاني للجسر، أمام انسياب اقتصادي واجتماعي، وأمام حركة غير مسبوقة للحياة المتبادلة من خلال حبل سري لا يخطئ ضالته المنشودة، تم الافتتاح بهدوء ودخلت في أول ساعات من العودة الميمونة أكثر من 11 ألف سيارة تحمل آلاف الأشقاء المنضبطين وفقًا لبروتوكول الرعاية الصحية الذي تفرضه السلطات في السعودية والبحرين بصرامة وحرص على صحة المواطنين والمقيمين، كل المواطنين وكل المقيمين من دون تفرقة أو استثناء.

رغم كل المحاذير نحن نفتح قلوبنا مثلما هي العادة إلى الأشقاء من “الكبرى السعودية”، وكما هو الواقع وجدنا ذلك الإقبال منقطع النظير والشوق الجارف الوفير لزيارة الأشقاء إلى وطنهم الثاني البحرين، وبطبيعة الحال، فإن شعب البحرين المضياف، قد استقبل أشقائه السعوديين بكل ترحاب، بكل مودة وسعادة، وبكل تفهم لطبيعة المرحلة التي يرزح فيها الكون تحت وطأة جائحة امتد أمدها لأكثر من المتوقع، فذهبت بالبشرية إلى أبعد ما يكون.

الانفتاح مع الجائحة معادلة شبه صعبة نستطيع بحكمة اللجنة التنسيقية وبحنكة القائمين على الشأن الصحي في البلاد، أن نفك شفرتها، أن نقتفي خطواتها وأن نعيد ترتيب الأوراق بما يفي بحاجات طارئة مُلحة في زمن الكورونا، وكل كورونا.

كنا ومازلنا نأمل في أن يتفق العالم على كلمة سواء، بشأن اللقاحات والاحترازات، والأفق التعاوني تحت مظلة منظمة الصحة العالمية، كنا نأمل ومازلنا في أن تعترف السعودية الشقيقة بجميع اللقاحات المعتمدة في مملكة البحرين من دون تفرقة أو استثناء.

وكنا نأمل ومازلنا أن يكون الشرح الوافي من السلطات الصحية في البلدين الشقيقين والتعاون التاريخي بينهما يتم ترجمته إلى بروتوكول تعاون من أجل مواجهة كورونا بجميع الوسائل المتاحة، وبجميع اللقاحات الناجعة من دون إقصاء أو استغناء، وبجميع الإجراءات والقوانين المرعية التي تقدم الأهم فالمهم.

إن المنطقة والعالم يواجهان ربما لأول مرة في التاريخ جائحة طويلة المدى، وباء من نوع جديد، يستطيع العيش مترافقًا مع الإنسان، “إما أن يكون وإما ألا يكون”، يعني “قاتلًا أو مقتولًا”، وهذه هي خطورة هذا الفيروس القابل للهروب من اللقاح، والمقاوم لمختلف العلاجات التي مازالت في طور التجربة والتكوين، فيروس عنيد يستطيع أن يعيش لأسابيع طويلة داخل الجسم المصاب، من دون فترة حضانة محددة، ومن دون ظهور مربك لأعراض حادة في زمن “ما”، هو يختار المنطقة الأضعف في الجسم فيفتك بها، ويختار الجسد الأقل مناعة فيصيبه والله وحده الشافي.

العالم كله يعيش زمنًا حرجًا مع جائحة، وحياة صعبة مع وباء، ومستقبل غير مضمون العواقب في ظل العيش مع فيروس خائن بجميع المقاييس العلمية والنتائج البحثية والبروتوكولات الصحية.

جسر الخير جاء فاتحة خير رغم الجائحة، وجسر الخير سيظل نبعًا للحياة وشريانًا للدماء بين شعبين شقيقين، بل بين شعب واحد متحد ما يربطه أكبر بكثير من مجرد وباء لعين، وما يجمعه أعمق على المدى من الزمان، والمكان والإنسان، وأهلًا وسهلًا بالأشقاء.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية