عامٌ آخر يطل علينا وبهجة العيد ناقصة بسبب هذا الوباء المتوحش، يأتي العيد متثاقل الخطوات، لا كما عودنا وكما اشتقنا له وانتظرناه طويلا ليزيح عن نفوسنا ما علق بها، لا يحمل – كعادته - أشياءه البسيطة التي تلون حياتنا وتضفي عليها طابعها الجميل. أصبح يزورنا مكتئبا متجهما خاليا من المشاعر، شيء مرعب أن يطل العيد كالزائر الغريب، أن يأتي بلا طعم وكأنه لا يريد أن يصافحنا بكلمات الحب ولمسات الحنان، نتلفت هنا وهناك فلا نعثر على ما يبعث في نفوسنا الفرح، وكأنّ هناك من اغتال البسمة من الوجوه وجعلنا محطمين تائهين مكتئبين.
وكان طبيعيا أن ينعكس على الوضع الاجتماعي والعائلي بحيث لم يعد أمام الأطفال سوى البقاء بعزلتهم، الأطفال هم أكثر من يشعرون بغياب العيد كما مر عليهم في العام الفائت، إنهم ضائعون ومتأثرون نفسيا واجتماعيا كأشجار القصب تعصف بهم الريح بعد أن كانوا يملأون الساحات برقصهم وضحكاتهم المجلجلة.. ولعمري أي معنى بقي للعيد إذا فقد الأطفال مرحهم! ولا نملك إلا أن نردد مع الشاعر بدوي الجبل “ويا رب من أجل الطفولة وحدها.. افض بركات السلم شرقا ومغربا”، لكن صناعة الفرح باتت واجبة رغم كل الظروف، ولعل من بواعث السعادة ما اعتاد عليه الناس في الأيام الأخيرة من شهر رمضان استعدادا لاستقبال العيد في اقتناء الملابس الجديدة وتجهيز لوازم العيد، وهذه تقاليد حرصوا عليها وتوارثوها من الآباء عن الأجداد.
ليس هناك أي إنسان سوي بغنى عن لحظات الفرح بالنظر إلى ما تحفل به الحياة من إحباطات وأزمات، ولأن العيد من اللحظات النادرة فالواجب اقتناص هذه اللحظة لإضاءة القناديل داخل النفوس المحبطة، ويبدو مثيرا للعجب ما يزعمه البعض من أنّ العيد يومٌ كسائر الأيام بلا معنى! أو ما يردده البعض الآخر هل للعيد بهجة بعد أن غاب من كانوا يؤنسون حياتنا؟ مثل هذا القول بالتأكيد يتناقض مع الفطرة الإنسانية السليمة.