+A
A-

التسويق وخلل التوزيع

أصبح من المألوف اليوم ، حين يلتقي شخص بكاتب لم يسمع عنه قط "رغم أن لديه اصدارات عدة " أن يُسأل الكاتب : " لماذا لم نسمع عنك ؟ لماذا لا تروج لمؤلفاتك ؟   وقد يكون السؤال نابعا أحيانا من الاهتمام، وأحيانا أخرى يكون لوما للكاتب " لتقصيره في حق نفسه".  

ولكن، هل الترويج للكتاب أصبح اليوم مهمة الكاتب نفسه؟ فماذا تبقى لدور النشر إذن أن تفعله؟.

يقول لك البعض بأنك : " إن لم تهتم لأمر نفسك فلن يهتم بك أحد. ولا حتى دار النشر ". وقد يقترح آخرون أن تستثمر في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتسوق فيها لإصدارك : تنشر مقتبسات منه ، معلومات حول أماكن توافره . الخ . الأمر اليوم أسهل بكثير، ولكن . كم مرة من الممكن أن تفعل كل ذلك قبل أن يتحول الأمر إلى مبالغة فجة وجرعة زائدة عن الحد من تضخيم الأنا . وبعد، فقد ينتهي بك الأمر إلى الانشغال بذلك طوال الوقت بدلا من التفرغ للكتابة نفسها.  

ما يدهشني حقا، هو أن الأغلبية اليوم باتت " تروج " باقتناع كبير لفكرة أن التسويق للكتاب هو بالفعل دور مطلوب من الكاتب نفسه ولا أحد يوجه لومه الصريح لدور النشر لتقصيرها في القيام بذلك . ألان لوم الكاتب أسهل؟ أليس توزيع الكتاب والتسويق له بالأصل الدور الذي ينبغي أن تضطلع به كل مؤسسة تدعي بأنها " للنشر والتوزيع " ؟ حسنا ، لم يذكر " التسويق " بصريح العبارة ولكنه جزء " منطقي " من ضمن عملية التوزيع نفسها ، بل إن التوزيع ، في الواقع ، هو كل ما في الأمر.  

على سبيل المثال ، هناك اليوم دور نشر جديدة تراها تروّج ، وفق خطة مدروسة جيدا ، لكتّابها ، أيّما كان ما يكتبون ، فتوزع كتبهم في كل مكان حتى تراها أينما وليت وجهك، وذلك يكفي حتى يعتبر " التسويق " بعدها أمرا ثانويا . فالكتاب المتوفر في أماكن كثيرة كفيل بـ  " الترويج لنفسه " ، لأنه يوحي لك بأنه اصدار مهم " حتى لو لم يكن كذلك ! " . أما الكتاب الذي " تحتكر " دار النشر وجوده لديها ، أو توزع منه نسخا معدودة في أماكن محدودة ، أو تكتفي بتوفيره في المحافل الأدبية ومعارض الكتاب ، فإن حتى القيام بحملة تسويق مكلفة وضخمة من أجل زيادة مبيعاته هو أمر لن يعود على الكتاب بكبير النفع . إذ ما فائدة التسويق لمنتج غير موجود بالسوق ؟.

كان بالإمكان أن نرى في مثل دور النشر هذه ، النشيطة في توزيع اصداراتها ، بشائر خير، لولا أن أغلب اصداراتها ، للأسف ، ضعيفة المستوى،ولكن ما قامت به حتى الآن يكفي، على الأقل ، ليثبت لنا بأن الكتاب ما زال قادرا على النجاح من تلقاء نفسه بقدر ما تتوافر له فرص الانتشار ؛ فكيف لو كان كتابا جيدا.

في المرة القادمة ، وقبل أن تسألوا كاتبا " لماذا لم تسمعوا عنه " وتطالبوه بـ " التسويق " لما كتب ، تذكروا بأن الخلل قد يكون ، أساسا ، في توزيع الكتاب . وليس في قيمته ، أو في تقصير مؤلفه.​