العدد 4407
السبت 07 نوفمبر 2020
banner
أميركا ما بعد الانتخابات
السبت 07 نوفمبر 2020

حتى ساعة كتابة هذه السطور لم تظهر النتيجة النهائية لانتخابات الرئاسة الأميركية، رغم ما أحرزه المرشح الديمقراطي جو بايدن من تقدم على المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وسواء أسفرت النتيجة عن فوز الأول أم الثاني فإن الولايات المتحدة ما قبل الانتخابات لن تكون بأي حال من الأحوال هي نفسها ما بعد الانتخابات؛ هذا إذا ما نظرنا لما يكسبه مشهد العملية الانتخابية غير المسبوقة تاريخيا منذ قرن ونيف على الأقل من دلالات مهمة، فأولا الإقبال الكثيف على المشاركة إنما يعبّر عن الآمال الكبيرة التي تعلقها شرائح اجتماعية على التغيير ولو من داخل المؤسسة القائمة، وثانيا فإن الصراع المحتدم انتخابياً بين المرشحين المتنافسين بات يعبر بوضوح عن أعرض اصطفاف سياسي واجتماعي خلف قطبي اليمين واليسار المرشحين من داخل المؤسسة.

وكان لتداعيات أحداث العام الجاري، خصوصا مع تفشي وباء كورونا في البلاد، وارتفاع أعداد المصابين والقتلى بصورة مريعة، ناهيك عن مقتل المواطن من أصل أفريقي جورج فلويد ومن ثم كيفية تعامل ترامب مع الحدثين؛ كل ذلك ساهم في تأجج الصراع بين القطبين وتوسع الاصطفاف خلف كل منهما تبعاً للمتضررين والمستفيدين من الوضع القائم. وثالثاً فإن التشكيك المبكر قبل بدء العملية الانتخابية الذي لجأ إليه ترامب لا ينبئ بحسن خواتم الأمور بما يكسب هذا النظام الديمقراطي سمعته المميزة كسائر الأنظمة الديمقراطية الغربية من حيث خبرتها العريقة في سلاسة العملية الانتخابية ونزاهتها ومن ثم التسليم بنتائجها من قبل الطرفين. وفي مقابل التشكيك الذي ازدادت وتائره خلال العملية الانتخابية تفاقم قلق أنصار المرشح الديمقراطي فظهرت احتجاجات مجاميع منهم في الشوارع ضد أي إجراء يستبعد أي أعداد من بطاقات الناخبين. ومن هنا يمكننا أن نخلص من كل تلك الدلالات إلى أن الصراع لن ينتهي بإعلان النتيجة وأن ثمة جولات غير مأمونة العواقب منتظرة على الساحتين السياسية والاجتماعية.

وإذا كانت تلك أبرز دلالات المشهد الانتخابي داخليا، فإن ثمة مؤشرات سياسية داخلية وخارجية مهمة؛ لم تأخذ حقها الكافي من التحليل في تقديرنا إلا لماما، منها على سبيل المثال لا الحصر مدى كثافة العرب والمسلمين في التصويت وتبين من العينات المستطلعة في التقارير الإخبارية اختلاف توجهاتهم تبعاً لمصالحهم داخل المجتمع الأميركي؛ ومن ثم تواري آمال أن تتحدد تلك التوجهات في الخيار بين المرشحين تبعاً لموقف كليهما من القضية الفلسطينية والموقف من هذه القضية لا يتباين عادة بين الحزبين إلا بشكل ضئيل، كما لم يجرِ التوقف عند دلالات الدور الكبير الذي تلعبه الشركات الكبرى وأرباب المصالح في دعم المرشحين، فقد قُدر تمويل الحملات الانتخابية لكليهما بأكثر من 10 مليارات دولار وهو الإنفاق الأعلى في تاريخ الحملات الانتخابية، ولن يكون هذا التمويل لوجه الله؛ فممولو كليهما يعولون على العوائد السياسية من دعم الفائز؛ وهذا بدوره سيجعله وأتباع حزبه في الكونجرس مدينين بصورة أو بأخرى للممولين في قراراتهم التي لن تتقاطع بالضرورة مع كل الفئات والشرائح الاجتماعية التي صوتت لهم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .