العدد 4382
الثلاثاء 13 أكتوبر 2020
banner
د.حورية الديري
د.حورية الديري
ومن الحب ما يُسعِدُ
الثلاثاء 13 أكتوبر 2020

بدايتنا اليوم ليست مع نهاية العبارة الشهيرة للشاعر العربي عبدالملك الأصمعي حين قال “ومن الحب ما قتل”، والتي صرنا نسمعها في نهاية التعليقات الخاصة بقصص الحب حتى زماننا هذا، لأنني حتمًا لا أتفق مع النهايات الحزينة المؤلمة مهما كانت حقيقتها، ونحتاج إلى التفكير فيما نستخدم من كلمات وتأثيراتها على النفس كي لا نعطي إيحاءات لحلول تجعل المواقف أكثر تعقيدًا، وقصة الأصمعي مثال على ذلك حيث جاءت عبارته تعليقًا على موقف لو تعلمون أحداثه لتوقفتم عن استخدام الكثير من العبارات المتوارثة حتى لو على سبيل الطرفة أو المزاح، لأن الأمر ليس عرفًا أو تقليدًا، ولسنا مضطرين أو مجبرين أصلاً على كل هذا التداخل، والسبب ما يحدثه من انعكاسات سلبية على النفس والحدث ذاته، وإن كنا بصدد التعليق أو إبداء الرأي فلنا خيارات في وضع ما نشاء كما فعل الأصمعي، وكما فعلت أنا لاختيار عنوان المقال اليوم، فالكلمة وحسن انتقائها يصنع فرقًا كبيرًا.

ولمن يتساءل عن قصة الأصمعي فقد جاءت القصة أصلاً للمثل، عندما رد الأصمعي ببيت من الشعر إثر قراءته بيتا من الشعر كتب من قبل أحد العشاق على حجر قديم في البادية، إذ كان يشكو حاله والهوى، فتبادلا الردود الشعرية على نفس الصخرة دون أن يرى أحدهما الآخر، وذات يوم وبينما هو يتجول كعادته وجد شابًا ميتًا ملقًا بالقرب من الحجر الذي كتب عليه العاشق قبل مماته “سمعنا وأطعنا ثم متنا فبلغوا... سلامي إلى من كان بالوصل يمنع”، لهذا أطلق الأصمعي عبارة “ومن الحب ما قتل”.

في هذا الموقف جاءت العبارة تعبيرًا عن حقيقة الحدث ذاته، بينما أرى وفي ذلك ليس هجومًا على توارثها واستخدامها في العديد من المواقف، أننا ابتعدنا عن الحقيقة وصرنا نعني باستخدام مصطلح القتل خلافًا للموت، بل قد تكون تعبيرًا عن قوة العلاقة والمشاعر من باب المبالغة، وهذا لا يجعلنا عاجزين أمام إشهار العبارات التي تعطي المعنى الحقيقي للحدث، بل ربما نربطها بالحدث الأوقع لتكون إرثا للزمن الأجمل، فما كان في زمن البادية جميلا، لكنه ليس أبلغ مما يحدث في زمن نحن فيه أسعد وفرة، أسعد حظًا، فالشاعر موجود والعاشق موجود والقصة تتكرر، وما لدينا من بلاغة أبلغ من الكلام ذاته، وما الحب في الإنسان إلا مسرة.. تضفي عليه رونقًا وسعادة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية