العدد 4379
السبت 10 أكتوبر 2020
banner
ناصر والمقاومة الفلسطينية
السبت 10 أكتوبر 2020

احتفلت مصر مؤخراً بنصر حرب أكتوبر المجيدة التي تمت تحت قيادة الرئيس أنور السادات، وشارك في قيادة السلاح الجوي فيها الرئيس حسني مبارك، كما شاركت كل الدول العربية النفطية بالتمويل وحظر النفط على الدول الكبرى المساندة لإسرائيل، وعودة لمقالي الأسبق تحت عنوان "بيت عبدالناصر" والذي وصفت فيه موتته في 28 سبتمبر 1970 أشبه بـ "الموتة الاستشهادية"؛ فلا أحسبني مبالغاً في تشبيهي إذا ما أخذنا في الاعتبار الظروف الصحية بالغة الخطورة التي كان يمر بها حينئذ، وقطعه إجازته الصحية التي شدد عليه كبار أطبائه المصريين على أخذها؛ وكذلك لطالما أوصاه بها طبيبه الروسي يفجيني يازوف وهو من كبار أطباء الكرملين، لكنه لم يوافق إلا على عشرة أيام عند الأزمة الصحية الأخيرة؛ وكان قد بدأها في مرسى مطروح، وسرعان ما قطعها راجعاً للقاهرة إثر استماعه للتطورات الخطيرة في أحداث سبتمبر الأليمة بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني؛ إذ استبد به القلق وقرر على الفور التحضير لعقد قمة عربية طارئة التأمت في أيام معدودة تمكن خلالها بجهود جبارة تعد خارقة للعادة لو قام بها رئيس يتمتع بصحته المعقولة، فما بالنا وقد بذلها إنسان عليل يمر بفترة حرجة من مرضه الخطير، ثم وما بالنا كيف حقق معجزة إقناعه طرفي المعركة في عز احتدامها والحساسيات المتراكمة والحملات الإعلامية المتبادلة بالحضور ثم المصالحة داخل القمة، ما كانت لتتم لولا جهود مستميتة أخرى أجراها داخل المؤتمر حتى أسلم الروح بعد ثلاث ساعات فقط من توديعه أمير الكويت الراحل الشيخ صباح السالم الصباح عند سلم الطائرة؛ بعد أن أتم تصفية الخلافات العربية وتوفير حد أدنى معقول من التضامن العربي، وهو من مستلزمات الاستعدادات شبه النهائية التي أكملها قبلاً لخوض حرب أكتوبر؛ لكن شاءت الأقدار أن يقودها خلفه الرئيس السادات.  

في واقع الحال ما كان لعبدالناصر أن يسهم إلى حد كبير في تحقيق الحد الأدنى من التضامن العربي؛ الذي خاضت به مصر والعرب جميعاً حرب أكتوبر بعد ثلاث سنوات فقط من رحيله، لولا أنه نضج سياسياً كثيراً بعد الهزيمة المريرة؛ فباستثناء تمسكه بالنهج الشمولي في حكمه في الداخل، يُحسب له أنه بادر إلى إطفاء حروبه الباردة على الدول العربية التي لا تتفق مع توجهاته وشعاراته وأحلامه القومية الوحدوية المكلفة سياسياً ومالياً. لكن تلك الدروس التي اتعظها للأسف لم تتعظها فصائل المقاومة الفلسطينية التي كانت تصر على نهج الكفاح المسلح العدمي من خارج إسرائيل، وهو ما ثبت عدم واقعية انتهاجه سواء من الداخل أو من الخارج، ثم نقلت الفصائل ساحة كفاحها المسلح من الأردن الدولة ذات السيادة التي نازعته فيها على أرضه إلى الساحة اللبنانية ذات السيادة الهشة جينئذ بفعل اشتداد تناقضاتها السياسية والدينية والاجتماعية في دولة تقوم على المحاصصة الطائفية، ووقع اليسار حينئذ في خطأ قاتل بالتحالف مع الفصائل الفلسطينية لتحقيق مهمة مزدوجة أشبه بالمستحيلة.. لخوض حرب أهلية ذات أبعاد طائفية ضد اليمين كانت عبثية مدمرة طوال 15 عاماً أكلت الأخضر واليابس، وذلك لحل تلك التناقضات السياسية الاجتماعية الطبقية اللبنانية بالقوة المسلحة من جهة، ولتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي عن طريق التحالف الوطني اللبناني - الفلسطيني من جهة أخرى، ثم استلم راية المقاومة المسلحة حزب الله في الجنوب حيث انهزم التحالف الفلسطيني – اللبناني، ومثلما خلقت الفصائل الفلسطينية لها دولة داخل الدولة في الجنوب؛ كما بيروت، فعلت المقاومة الجديدة الأمر ذاته؛ حيث أطلقت على نفسها "الإسلامية" باسم كل اللبنانيين بشتى طوائفهم الإسلامية والمسيحية على السواء، ولم تحتكر المقاومة وقفاً على طائفتها فحسب وحسب منظورها الفئوي، بل أقامت لها دولة موازية في الضاحية والجنوب والبقاع - إلى حدما - واحتكرت ساحة العمل السياسي في هذه المناطق باسم سلاح المقاومة لئلا تزاحمها أية قوى سياسية أخرى ولو من داخل طائفتها، تماماً مثلما كانت من قبلها منظمة التحرير تستحضر في تحالفاتها مع الأنظمة القومية الشمولية صراعاتها على الساحة العربية.

ولعل ثمة قلة بدأت تتلمس الحصاد المدمر لأخطاء حزب الله القاتلة؛ سواء في الداخل أم على مستوى متطلبات تحقيق الحد الأدنى من التضامن العربي؛ أما الأكثرية من اليسار والإسلام السياسي الشيعي العربي فقد لا يعون إلا متأخرين ويندمون عندها على تقديسهم إياه في وقت لا ينفع فيه الندم!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية