+A
A-

خبراء يؤكدون: الذكاء الاصطناعي والوظائف النوعية يتصدرون المشهد الاقتصادي في السنوات المقبلة

أكد خبراء واقتصاديون أن حجم التغيير القادم على خارطة الأعمال والوظائف المستقبلية يقدر بـ80 %، وأوضحوا أن الأرقام العالمية تبين أنه بحلول عام 2025 سيتم التعامل مع أكثر من 85 ٪ من تفاعلات العملاء دون أن يكون هناك وجود للإنسان، مع توقع استبدال ما يصل إلى 800 مليون وظيفة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، إذ ثمة أعمال جديدة ستبرز مقابل وظائف تقليدية ستندثر، لتكون التقنيات والتكنولوجيا الحديثة هي المتصدرة في المشهد الاقتصادي والإنتاجي.
وأوضح الباحث وخبير الذكاء الاصطناعي الإقليمي الدكتور جاسم حاجي على الدور الكبير للتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في تغيير خارطة الوظائف المستقبلية، مشيرا الى أن هناك وظائف كثيرة ستتغير وأخرى جديدة ستظهر في غضون سنة أو سنتين كحد أقصى، مؤكداً أن مملكة البحرين تمتلك من البنية التحتية القوية والمتطورة التي تؤهلها إلى المضي قدما في هذا المجال دون تأخير، فهناك دول تتواكب مع المتغيرات بشكل سريع وهناك دول أخرى تحتاج لفترات أكثر، واقترح إنشاء مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي، يهتم بالاستثمار في الذكاء الاصطناعي على مستوى الشرق الأوسط، فالبرمجيات التي تصدر للخليج جاءت من دول آسيوية وأوروبا الشرقية، في حين أننا كجزء من الخليج أولى في إيجاد استثمارات خاصة بنا.
وبين الدكتور حاجي أن هذا التغيير لا يتعلق بجائحة كورونا فقط، فمعطيات التغيير قد بدأت منذ زمن، وقال: "نتحدث عن أعمال روتينية ستندثر، وعن مستقبل تقني وخوارزمي سيقوم بدور الموظف العادي، وعليه فإن دور الإنسان سينحسر، وأصبحت الشركات والمؤسسات أكثر حرصا وتوجها لبحث تسريع العمليات وزيادة الإنتاجية وزيادة الربح والفوائد، خاصة وأن المستقبل للذكاء الاصطناعي، إذ يدخل في التعليم وفي الجامعات ولدينا فعلا عدة مشاريع ومبتكرين، فالعامل البشري في البحرين مستعد ومتعطش للابتكارات، ولدينا جهودا استثمارية نوعية تضيف للمجتمع وتخلق وظائف مغايرة وتشكل اقتصاد مستقبلي مختلف، ولذلك علينا الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وتبني وخلق المبتكرين واحتضانهم والخروج من الوظائف التقليدية إلى الإبداعية".
ولفت الدكتور حاجي إلى أهمية الوعي بأن التوجه الاقتصادي الجديد سيتمحور حول التكنولوجيا بوصفها هي الأسرع أداء والأقل تكلفة، فلم يعد العمل الذي يقوم به 300 موظف هو ذاته اليوم، بل استعيض عنها بـ 50 موظفا وبرامج وتكنولوجيات جعلت من تقليص الموظفين أمرا واقعا وحتميا، فمثلا ثمة أعمال ستنتهي مثل وظائف الاستقبال أو الاتصالات، وهناك من التقنيات التي تضمن أداء نفس الخدمات من رد وإجابة على التساؤلات وتسجيل الملاحظات، وبالمثل بعض الوظائف المتعلقة بالمجال الصحي والأطباء والتعقيمات والأشعة والخدمات الصحية الأخرى وغيرها سوف تتغير بالمثل.. ويمكن الإشارة إلى وجود توجه نحو أتمتة دعم العملاء إذ تتوقع شركة جارتنر أنه بحلول عام 2025 سيتم التعامل مع أكثر من 85 ٪ من تفاعلات العملاء دون وجود للإنسان، ويتوقع الخبراء استبدال ما يصل إلى 800 مليون وظيفة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، ويمكن القول أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي قادرة بالفعل على التعامل مع العديد من الوظائف المحاسبية على سبيل المثال مثل إعداد الضرائب، والرواتب، ومراجعة الحسابات.
واختتم حديثه قائلا: "تطور الذكاء الاصطناعي وظهر chatbot وهو ليس سوى دفقة خافتة على موجة ضخمة من التقدم، فاليوم يرتفع عدد مستخدمي تطبيقات المراسلة مثل WhatsApp و Slack و Skype ، ويمتلك Facebook Messenger وحده أكثر من 1.2 مليار مستخدما شهريًا، وأصبحت الدردشات الافتراضية التي تقلد المحادثات البشرية من أجل حل مختلف المهام تزداد طلبًا فيمكن لبرمجيات WeChat الصينية تعيين مواعيد طبية بالفعل، أو الاتصال بسيارة أجرة، أو إرسال الأموال إلى الأصدقاء، أو تسجيل الوصول لرحلة وغيرها الكثير... ولذا فإن التغيير القادم كبير ونحن مستعدون له".


اقتصاد المعرفة والمستقبل
من جهته، أكد عضو مجلس النواب د. عبدالله الذوادي الخبير في تكنولوجيا الاتصالات وشبكات الانترنت الذكية والأمان الإلكتروني، على اهتمام الخبراء والمعنيين والسلطة التشريعية في مملكة البحرين بالملفات المستقبلية، مبينا امتلاك البحرين لبنية تحتية وجاهزية تجعلها قادرة على التحول التكنولوجي والبرمجي المطلوب، واستشهد بأن جائحة كورونا جعلت من انعقاد مجلس الوزراء الموقر وجلسات مجلس النواب عن بعد واقعا وبالتالي لم تتوقف الحياة لدينا أبدا.
وحدد الذوادي 5 سنوات كحد أقصى لتلمس الاختلاف الكبير في نوعية الوظائف التي سيتطلبها ويستوعبها سوق العمل، مؤكدا أهمية التطلع إلى ريادة الأعمال والابتكار وصناعة المعرفة والاهتمام باقتصاد المعرفة والتعليم عن بعد، وبين أن التكنولوجيا اليوم ستتسارع بشكل كبير جدا، فما عادت الأعمال كما هي، وأصبح العمل عن بعد واقعا حتميا في كل مجالات الحياة.
وأكد الذوادي اهتمام مجلس النواب بهذا الموضوع الهام، إذ قدم المجلس الكثير من الاقتراحات التي تحاكي التغيير المستقبلي وتطبق الذكاء الاصطناعي، فالوظائف الحالية مثل ساعي البريد وقارئ العدادات لن تصمد، وسيكون المستقبل للوظائف الإبداعية والتقنية التي تتم عن بعد بجودة وسرعة عالية، وعليه فإن التعليم نفسه لن يكون كافيا بقدر أهمية توفر القدرة والمهارة والكفاءة، وهي التحديات الحقيقية القادمة، وضرب مثلا بقطاع الاتصالات المزدهر رغم الجائحة وتداعياتها، فشركات الاتصالات اليوم باقية وتمثل فرص نوعية قادرة على الصمود بل والرواج عكس تخصصات أو أعمال أخرى يمكن لها أن تندثر.
وعن أهمية التحول الرقمي الحتمي، قال الذوادي: "لا نريد أمية في التحولات التقنية القادمة، بل علينا مواكبة المتغيرات القادمة والاستفادة من الطاقات الشبابية الواعدة، فمملكة البحرين مؤهلة وسباقة في تحولها التكنولوجي منذ 2002 مرورا بتشبيك المدارس على سبيل المثال في 2006 والتي تبلغ 202، فلو لم نبدأ سابقا لكنا متأخرين جدا اليوم، وكل ما تقدم جعلنا أكثر قدرة على طرح مواضيع مهمة تتعلق بالأمن السيبراني وتنفيذ قانون العقوبات الجنائية والقيام بالاستجوابات عن بعد، وبالتالي كانت الحصيلة عمل حكومي نوعي يجاريه عمل مماثل وتحولات كبيرة في القطاع الخاص".
واختتم الذوادي حديثه موضحاً بأن العالم مر بثلاثة حقب ابتداء من الغوص والزراعة وصولا إلى المرحلة الثانية وهي الصناعات التحويلية والنفطية وانتهاء بمرحلة اقتصاد المعرفة والاقتصاد الرقمي، لافتا إلى أهمية الاهتمام بالذكاء الاصطناعي والاقتصاد التقني والمعرفي، فخلال جائحة كورونا اتضح وجود العديد من الوظائف التي يمكن الاستغناء عنها كما برزت وظائف أخرى أكثر أهمية، وعليه فإن المعيار اليوم هو معيار الكفاءة والمهارة في أداء الأعمال.


الأفق الاستراتيجي والتقنيات النوعية
 
ومن جانبها أكدت رئيسة لجنة ادماج احتياجات المرأة بجمعية الاقتصاديين البحرينية دانة عماد حمزة بأن مملكة البحرين تتمتع بأعلى الكفاءات في جميع المجالات سواء في القطاع الصحي أو المالي أو التكنولوجي وغيرها من المجالات، ورأت أن الاستعداد لمواجهة أي أزمة أصبح واقعا لمواكبة التغيير والتصدي للأزمات المستقبلية.
وقالت: "في ظل تبعات أزمة جائحة كورونا، سوف تكون هناك أهمية أكبر لبعض الوظائف والتخصصات مثل ادارة المخاطر ( risk management) خاصة فيما يتعلق باختبارات الاجهاد ( stress testing) والتي تعتبر من اهم آليات الإنذار المبكر للتنبؤ بالأزمات وقدرة المؤسسات المالية وغير المالية في تحمل المخاطر وذلك بتحديد سيناريوهات افتراضية مستقبلية قد تؤثر بشكل سلبي على المؤسسة. كما سوف تكون هناك اهمية كبيرة لقطاع التكنولوجيا المالية والأمن السيبراني للحفاظ على أمن المعلومات، بالإضافة إلى التخصصات المتعلقة باقتصاديات قطاع الصحة (Health Economics) والتي تنظر في كفاءة وفعالية سياسات القطاع الصحي (effectiveness and efficiency) بالتركيز على العرض والطلب على الخدمات الصحية وسلوك المستهلك.

وأكدت على وجود الاستعداد العالي لتقديم الرؤى ووضع الاستراتيجيات المناسبة من المختصين والعاملين في المجالات المختلفة بما يتلاءم مع الأفق المستقبلي التقني والتكنولوجي، ولذا فإن إعادة النظر في بعض الاستراتيجيات الحالية والاهتمام بشكل أكبر بأمن المخاطر يستلزم التعامل الواعي، ولابد من توضيح أن أي ضرر سيحدث في قطاع معين سوف يؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تأثر القطاعات الأخرى، إذ نتحدث عن منظومة متكاملة يراد لها أن تشكل واقعنا ومستقبلنا.