العدد 4304
الإثنين 27 يوليو 2020
banner
قهوة الصباح سيد ضياء الموسوي
سيد ضياء الموسوي
كل منا يجر خلفه وحشه الذي يأكل سعادته
الإثنين 27 يوليو 2020

كما توزع الأرزاق توزع الأحزان والأفراح. كل منا يجر وحشه الذي يأكل سعادته. الغني بعد الإشباع تأكله الوحدة، ويكفكف دمعه على رصيف الفراغ القاتل. إنها التعاسة المرفهة التي بوضبها على رفوف الواقع والذاكرة. العاطل ينشر شهاداته كثياب مبللة على حبال الخيبة وعينه على الشمس قد تشرق ذات صباح على هاتف يرن من شركة أو وزارة أنه وفق لعمل. المتكدسون على بوابة الإسكان عيونهم على وحدات إسكانية ربما تختصر مسافات الوجع المتشظي زجاجا منثورا في الأزمنة والأمكنة محطات انتظار وساعات انكسار. وبين هذا وذاك تجار صغار حجزوا لهم مقعدا في عالم التجارة والاستثمار بعد أن جمعوا عرق الزمان ومال المكان ووضعوا رقابهم لمشنقة البنوك التي وحدها تستطيع ركل كرسي الانتحار البطيء بشكوى لمحكمة لاسترداد القرض...مطاعم تنتحب، مقاهٍ تضع يدها على خدها، شركات طيران أصبحت بطائراتها أشبه بربة بيت، وعوائل محكومين من جنائيين وغير جنائيين ينتظرون هذا العيد بفارغ الصبر أن تكون هناك إفراجات جديدة وفق قانون العقوبات البديلة حيث إيجابيات القانون فاقت التوقعات، وأوجد ارتياحا عاما، وأعطى صورة حضارية للوطن.

وبين هذا وذاك عاشق تغويه الدموع، وينام في أزقة الوجع أو يقف كعمود كهرباء على شاطئ يتيم يرمق السفن القادمة أملا في عودة الحبيبة ولو في آخر سفينة قادمة بعد طول غياب. كل منا يحمل وحشه الذي يأكل سعادته. بين رأسمالي لا يشبع من حرق المال، وبين اشتراكي نسي الخبز وضاع مع العمر يروج لفنتازيا الأممية، وبين إسلاموي سياسي يعتاش على يوتوبيا الأحلام غير الواقعية ويعيش في عوالم افتراضية غير مسكونة بأحد، وبين علماني متطرف يروج للديمقراطية لكنه يهزأ بأي شعار ديني ولو كان الشعار معتدلا. كل هؤلاء لا يمكن أن يقدموا وصفة علاج للبشرية والكون، لأن السعادة ليست بزيادة الطبقية وليس بنشر الايديولوجيات المتطرفة، بل بالاعتدال والتوازن كما هي السويد والدانمارك والنرويج وكما هي سنغافورا وكيف تحولت من بلد المستنقعات إلى بلاد المعجزات، أرجو من الشباب قراءة مذكرات العظيم لي كوان يو((قصة سنغافورة)). مدن بها عيوب لكنها تجتهد لصناعة سعادة للبشر، وكلما تعملقت أنسنة الاقتصاد والقوانين وأنظمة السياسة والحقوق وترسخ في ثقافة البشر بوجود عدالة إلهية ترمق الواقع كلما اقترب الإنسان من السعادة والهدوء وراحة البال. كما كان ينظّر جان جاك روسو قبل الثورة الفرنسية، أن التطرف عدو للحياة والسعادة بكل صوره كذلك نقول اليوم التطرف ضد السعادة أكان إسلاميا أو علمانيا، قوميا، اشتراكيا، أو رأسماليا.

المفكر الروسي فاديم زيلاند اعتبره المفكر الذي اقتبس كثيرا من فكر الامام علي ع.

من ضمن نظريته كي تعيش سعيدا ((خفض أهمية الأشياء)) في الحياة أكان منصبا أو مالا أو حبا أو شهرة. يقول الامام علي ع (ليس الزهد أن لا تملك شيئا، ولكن الزهد أن لا يملكك شيئا)) بمعنى، املك الدنيا لكن لا تجعلها تملكك. ويقول: (السعيد من استهان بالمفقود)، أي لا تبك على شيء فقدته، حبيبا، مالا، جاها. ويركز الامام على أهمية التجارة في الوطن: ((من سعادة المرء أن يكون متجره في بلاده)) واختصر الفيلسوف الالماني شوبنهاور الحياة بين اللذة والالم، والإمام علي ع يقول: ((أسعد الناس من ترك لذة فانية للذة باقية)). وهذا موضوع يناقش في فلسفة السعادة من عدة مراكز بحثية في الانتثربولوجيا أن اللذة الإيجابية هي التي تدوم وليست الآنية. ويركز علماء الطاقة والبرمجة اللغوية والتحفيز على دور الإرادة في نجاح المشاريع، لكن الامام له جانب اخر يقول فيه:((ما كل من نوى شيئا قدر عليه، ولا كل من قدر على شيء وفق له، ولا كل من وفق أصاب موضعا له، فإذا اجتمعت النية والقدرة والتوفيق والإصابة فهنالك تمت). يركز الامام علي ع على أهمية السكن والدار، فأول ما يجب أن تشتريه منزل العمر، واخر ما تفكر أن تبيعه هو منزل العمر: ((لتكن دارك أول ما يبتاع (يشترى)، وآخر ما يباع)).

أقول كل إنسان يجر وحشه الذي يأكل سعادته ولكن القوي هو من يعرف كيف يتعاطى مع هذا الوحش.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية