+A
A-

جامعة الخليج العربي تقدم دراسة حول التقنيات الحيوية من منظور إسلامي

شارك عميد كلية الدراسات العليا ورئيس كرسي الملك فهد بن عبد العزيز للتقنية الحيوية الطبية، في جامعة الخليج العربي الأستاذ الدكتور محمد الدهماني فتح الله، في فعاليات الدورة 24 لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي، التي نظمت بدبي مؤخراً، برعاية حاكم دبي ورئيس مجلس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وبمشاركة ما يربو إلى ألف مشارك، وناقشت هذه الدورة عدة مواضيع تندرج تحت شعار (التحديات المستقبلية للثورة الصناعية الرابعة من المنظور الإسلامي).

وقد قدم أ.د. الدهمانى فتح الله، دراسةً حول الجينوم البشري والهندسة الحيوية المستقبلية وانعكاساتها على الثورة الصناعية الرابعة، تطرق فيها إلى تطوير استراتيجية مُحكمة تشمل خطة عمل جادة نحو توطين التقنيات الحيوية الجديدة؛ لضمان اكتساب دول العالم الإسلامي لتقنيات الثورة الصناعية الرابعة، خاصةً منها التقنيات الحيوية.

وذكر أ.د. الدهماني فتح الله، أن الثورة الصناعية الرابعة التي نقف الآن على أبوابها، تتزامن مع بلوغ تقنيات الحوسبة الرقمية والتقنيات الحيوية، ذروتها بتطبيقات الذكاء الصناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد وتقنيات الجنوميكس وتكنولوجيات تحرير الجينوم وهندسته حسب مشيئة الإنسان، وأن تقنيات الهندسة الوراثية لا تكتفي اليوم بتعديل الجينات ونقلها واستعمال الجينات المهجنة لإنتاج الأدوية والأنزيمات الصناعية؛ بل إن دمج هذه التقنيات الجينيّة مع أحدث تقنيات زرع الخلايا وإدارتها؛ أنتج تقنيات جديدة سُمّيت بـ "النظم البيولوجية"، وعلماً جديداً وهو علم البيولوجيا الاصطناعية أو التركيبية، والهدف منهما هو: إيجاد أشكال جديدة من الحياة في شكل خلايا مكروبية مهندسة كلياً، بما في ذلك الجينات التي تحتوي عليها، ويُمكن توظيف هذه الكائنات الحيّة الجديدة لأهداف معيّنة مع كل ما تتضمنه الفكرة من منافع وأخطار، حتى تناولت دراسة أ.د. فتح الله؛ مشروع الجينوم البشري وإفرازاته من خلال عقدين من البحوث والتطوير والابتكار.

وشرح أ.د. الدهماني فتح الله، الجينوم أو المجين البشري قائلاً أنه عبارة عن كتاب هائل الحجم يحتوى على 3 بليون كلمة تكوّن فصوله (الكروموسومات) وجُمله (الجينات) وكلماته (النكليوتيدات)، يُمكن أن تَحدُث فيه أخطاء إملائية كما يحدث في الوثائق الإلكترونية المكتوبة، كما أكد على القدرات الهائلة لتقنيات التحرير الجيني وهي مجموعة من تقنيات تُخوّل إيجاد واستبدال النكليوتيدات (الكلمات) بطريقة دقيقة جداً، وإعادة تحرير كتابة تسلسل النكليوتيدات في المادة الوراثية لأيّ كائن، وذلك بهدف تصحيح أخطاء أو إدخال تغييرات متعمّدة (لقصدٍ ما) من أجل تحسين صفة موروثة على سبيل المثال.

ثم عرج بعد ذلك، على التكنولوجيات والنظريات الفلسفية الجديدة التي عادةً ما ترافق التقدم العلمي البارز، مثل: تقنيات تحرير الجينوم، وهندسة النظم البيولوجية، إلى جانب نظرية البيولوجيا المركزية التي تضع في جوهرها الحياة، و لا شيء سواها على مستوى مركزي ينطلق منه كلّ فكرٍ يُمكن أن يفسّر كلّ الظواهر الكونيّة، وفهم الأشياء وتدبّرها، وقد حصل حول هذه النظريّة إجماع شبه كليّ من طرف العُلماء، وأثارت اهتماماً ونقاشاً علميّاً، ولم تثر جدلاً حول صحّتها؛ بل أنها المرة الأولى في تاريخ البشرية التي تتفق العلوم الصحيحة مع العقيدة الإلهية، وفق ما أنزله الله في محكم كتابه العزيز.

إلى ذلك، أوصت ورقة الأستاذ الدكتور محمد الدهماني فتح الله، إلى أنه لا يجب من ناحية أن نفقد قُدراتنا البشرية المثالية بالركض وراء علامات الشباب والنفور من علامات الشيخوخة وتنقية السمات الجينيّة التي تجعلنا نبتعد عن خلقتنا البشرية التي وهَبها الله لنا، ومن ناحية أخرى يكون من الأفضل عدم التمسّك بالفكر التقليدي الذي قد يؤدّي إلى حرماننا ممّا يُمكن أن تقدّمه لنا هذه التقنيات من منافع، مؤكداً على أهمية تطوير برامج اجتماعية لنشر الوعي بمزايا التقنيات الحيوية المعاصرة، ورفع مستوى الثقافة العلمية في مجتمعاتنا العربية الإسلامية.

كما دعا أ.د. الدهماني فتح الله إلى توطين التقنيات الحيوية الجديدة، والتعامل مع تطورات الجينوم البشري بمبدأ النفع والضرر وتحديد المقاصد، كما أوصى بالاجتهاد والإفتاء المتواصل وليس الإفتاء الدوري أو عندما تقتضي الضرورة، وذلك لمواكبة السرعة الفائقة للتطوّر التقني في مجال التقنيات الحيوية، ويمكن تجسيد هذه التوصية بإحداث مرصد أو لجنة تتكون من مختصين في علوم الشريعة وكذلك أخصائيين في العلوم الحيوية متفرّغين للرصد المتواصل لكل المستجدّات في العلوم والتقنيات الحيوية والتعامل الفوري مع كل مستجدّة من منظور إسلامي.

وأخيراً، شدد على وجوب التأكيد على حتميّة مُراجعة الأخلاقيات البيولوجية من قبل المنظّمات الإسلامية لتقديم الرأي الشرعي، حتّى ولو كانت المسؤولية بشأن صياغة السياسات المتعلّقة بهذا المجال تظل من مشمولات الحكومات.