+A
A-

ناشطو العراق بمرمى النيران.. اعتقالات وتهديدات بالتصفية

منذ أكثر من شهر، تصاعدت وتيرة استهداف الناشطين في احتجاجات العراق، لاسيما ناشطو ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد ومدن جنوب البلاد، وصلت حد الخطف والاغتيال، كما حصل مؤخراً مع بطل آسيا في كمال الأجسام مشتاق الغزاوي، الذي نجا من محاولة اغتيال، وقبله مع الناشط المدني أمجد الدهامات، الذي اغتاله مسلحون مجهولون في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء الماضي بسلاح كاتم للصوت.

ويعد الدهامات أحد أبرز ناشطي الاحتجاجات الشعبية في محافظة ميسان جنوب البلاد.

إلى ذلك ما زالت تلك الحملات المنظمة التي اتهم بعض المتظاهرين ميليشيات موالية لإيران بتنفيذها، تستهدف الناشطين والمدونين في التظاهرات بمحافظات وسط وجنوب العراق.

تلفيق تهم

كما طالت الاعتقالات العديد من الناشطين والناشطات بتهم تنوعت ما بين "تخريب الأملاك العامة والخاصة" و"التحريض على ضرب القوات الأمنية" وما بين تلفيق تهم جنائية بحقهم. ووفق عدد من الناشطين والمراقبين، فإن هذه الاعتقالات تهدف إلى منع تجدد المظاهرات.

وعلى الرغم من الوعود التي أطلقت من قبل كل من رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، بوقف جميع أشكال الملاحقات للناشطين والمدونين ورفض التهديدات التي صدرت بحق الصحافيين في العراق مؤخراً، لاتزال حملات المطاردة والاعتقال مستمرة، خاصة مَن ظهر منهم في مقاطع مصورة أو في وسائل الإعلام المحلية والعربية، وقد قيدت جميعها ضد مجهول.

رسائل لسليماني

ولعل أحدث عمليات الخطف تلك، تتمثل بالناشط المدني ضرغام الزيدي، الذي اختطف الأربعاء الماضي أثناء عبوره أحد جسور بغداد، خارجاً من ساحة التحرير.

والزيدي هو شقيق الصحافي منتظر الزيدي، والناشط المدني عدي الزيدي، الذي وجه عدة رسائل لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، مطالباً إياه وعملاءه بالخروج من الميليشيات المرتبطة بطهران من العراق.

وقبله الناشطة المدنية صبا المهداوي، التي اختطفت في 2 تشرين الثاني/نوفمبر ولم يعرف مصيرها حتى الآن. وقد نفذ العملية مسلحون مجهولون يستقلون 3 سيارات في بغداد، بحسب شهود عيان، حين كانت المهداوي تسعف المتظاهرين الجرحى وتقدم الخدمات العلاجية في ساحة التحرير. ولا يزال الغموض يلف مصير الناشطة سجى محمد وغيرها من النشطاء.

قاسم مشترك

كما عجت مواقع التواصل الاجتماعي بحالات الخطف والإخفاء القسري، وتناول ناشطون محليون خبر اختطاف صبا المهداوي وغيرها، مؤكدين أنها اختطفت عقب مغادرتها ساحة التحرير في حدود الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة مساءً.

إلى ذلك، خطف الناشط علي هاشم، الأحد، في العاصمة، وذلك بعد أيام من اختطاف الناشطين ضرغام الزيدي وسمير الربيعي في بغداد عقب خروجهم من ساحة التحرير.

من جانبه، أشار ناشطون إلى أن القاسم المشترك لاختطاف هؤلاء هو دعمهم للاحتجاجات، وهو الأمر ذاته الذي يشترك به الضحايا المختطفون في الجنوب والوسط العراقي خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.

بدوره، قال عدي الزيدي لـ"العربية.نت": "الناشطون هم من يحركون التظاهرات وكلهم معرضون للاختطاف، لأن الحكومة تعرف أن قادة الاحتجاجات غير معروفين، والسبيل الوحيد للوصول إلى قادة التظاهرات هو اختطاف الناشطين لمعرفة من هم هؤلاء".

كما أكد أنهم كناشطين لا يعرفون قادة التظاهرات ولا يرغبون بمعرفتهم أصلاً، لافتاً إلى أن بيانات القادة وتعليماتهم تصل للناشطين وهم داخل الساحة. وقال: "نحن لا نسأل عليهم خوفاً عليهم وهم لا يظهرون أنفسهم خوفاً من الملاحقة والاختطاف".

وعن عمليات الخطف المستمرة، كشف الباحث والمحلل الاستراتيجي، قحطان الخفاجي لـ"العربية.نت"، أنه كان عائداً من ساحة التحرير بحدود الساعة العاشرة إلا الثلث ليل الأحد 3 تشرين الثاني/نوفمبر، وأثناء دخوله إلى مدخل شارع السعدون، استوقفته سيارة رباعية الدفع وترجل منها شخصان وطلبا منه النزول بقوة السلاح، لكن من هول الصدمة والخوف من أن يتم اعتقاله أو تغييبه مما حصل، عاد بسرعة إلى الخلف فاقترب منه أحدهما محاولاً إخراجه من السيارة، مشيراً: "فتحت الباب بوجهه وعدت بسرعة فائقة إلى الخلف فضربه الباب وسقط على الأرض".

وتابع الخفاجي: "توجهت مسرعاً إلى دورية للشرطة قريبة وأبلغتهم بالحادث فاتخذوا الإجراءات بخصوص الأشخاص الذين حاولوا اختطافي عبر تعميم المواصفات على الدوريات المنتشرة"، متسائلاً: إلى أي مدى تقوم الحكومة بتأمين الناشطين المطالبين بحقوقهم والذين يدعون للاحتجاج السلمي وتحارب الخارجين عن القانون وتتابعهم.

إلى ذلك ألقى اللوم على جهات مدسوسة تأخذ تعليماتها من الخارج والتي تتقاطع تماماً مع نداءات التظاهرات، ومن بينها "إيران برا برا" و"الفساد برا برا وبغداد تبقى حرة"، مضيفاً أن المعركة الحقيقية الآن هي على آخر وأهم معقل إيراني في المنطقة، وهو العراق، وإنهاء وجودها في بلاده يعني إنهاء وجود لأي فاعلية إيرانية في المنطقة، وفق قوله.

وتوقع الخفاجي انهيار هذا المعقل، مشيراً إلى أن العراق بأكمله نادى بهذا المسمى، ولعل احتلال السفارات هو خير دليل على ذلك، لكن الحاصل في كربلاء وإنزال العلم الإيراني وتمزيق الصور الرمزية لقادة طهران دليل آخر على الرفض الشعبي لهذا التدخل.

وتوجه إلى إيران مخاطباً: "إذا كنت جارة فعليك تحمل المسؤولية الدولية للجار".

تهديدات بالتصفية

وما زال الغموض يلف مصير العراقيين الذين وصل عددهم إلى نحو 26 بين ناشط ومتظاهر تعرضوا للخطف منذ بدء الاحتجاجات. كما قتل ثلاثة ناشطين في البصرة وبغداد، فضلا عن وجود نحو 400 معتقل بين ناشط ومتظاهر ومدون في جنوب ووسط البلاد، بحسب مصادر أمنية عراقية، قالت إن العدد تقريبي وقد يكون أكبر من ذلك.

بدوره، قال أحد المتظاهرين في بغداد ويدعى علي مهدي (21 عاماً) إنه لا يخرج من ساحة التحرير إلا مرة أو اثنين بالأسبوع منذ بدء الاحتجاجات، خوفاً من رصده ومتابعته، لافتاً إلى أن هناك عناصر أمن يرصدون الداخلين والخارجين ويستدلون على منازلهم. وأكد أن كثيرين من الذين يعرفهم بالساحة جرى اعتقالهم أو تهديدهم، ومنهم الأطباء والمسعفون، حيث وصلتهم تهديدات علنية إلى منازلهم وطالبتهم بضرورة ترك الموضوع وإلا تعرضوا للتصفية مع عائلتهم.

اتهامات للميليشيات

وبدأ الموضوع مطلع الشهر الماضي مع اختطاف الطبيب والناشط المدني، ميثم الحلو، في 7 تشرين الأول/أكتوبر من أمام عيادته في بغداد من قبل مسلحين مجهولين كانوا يستقلون سيارة رباعية الدفع، بحسب معلومات الجهات الأمنية العراقية التي حصلت عليها "العربية.نت". وبعد حملة كبيرة من قبل الناشطين، تم إطلاق سراح الحلو بعد أن تم تغييبه لفترة طويلة.

وفي هذا السياق، أكد نشطاء عراقيون لـ"العربية.نت"، تحفظوا عن ذكر أسمائهم، أن تحركاتهم أصبحت مرصودة من قبل أشخاص مجهولين يرتادون المقاهي والجامعات وساحة التحرير وغيرها من أماكن التظاهر وبقية أماكن التجمعات الشبابية، بهدف جمع المعلومات وإرسالها للجهات التي بعثتهم ليتسنى لهم اعتقالهم أو خطفهم، مشيرين إلى أن هذه الجهات لا تزال مجهولة وغير معروفة الانتماء، وإن كانت حكومية أو ميليشياوية، مع أرجحية تورط الميليشيات بهكذا مواضيع في العراق.

قمع حكومي

من جانبه، قال الكاتب الصحافي عمر الجنابي لـ"العربية.نت"، إن "القمع الحكومي لم يتوقف على مر السنوات السابقة تجاه الصحافيين والناشطين بمختلف المجالات. وللأسف بعد شرعنة وجود جماعات مسلحة ضمن مؤسسات الدولة الأمنية، أصبح الأمر أخطر بكثير على المؤثرين والعاملين في الرأي العام".

كما أكد الجنابي أنه "منذ اندلاع التظاهرات مطلع أكتوبر الماضي، شهدنا مقتل واختطاف واعتقال ناشطين ومتظاهرين واستهداف مباشر للمؤثرين في الحراك الشعبي بمختلف جوانبه سواء الميدانية أو حتى اللوجستية"، موضحاً أن "هناك طرفين في المعادلة، الأول يمثل المتظاهرين وآخر يمثل النظام الحاكم في العراق، وبالتالي لا يمكن رمي ما يحدث من قتل وخطف واعتقال على طرف ثالث. جميع أصابع الاتهام موجهة إلى الطرف المضاد للمتظاهرين، وهذا ما أكدته تقارير المنظمات الدولية مؤخراً".

إلى ذلك أسف من "التحركات الدولية الخجولة جداً والسلبية في بعض الأحيان، لاسيما الأمم المتحدة، تجاه التظاهرات في العراق"، لافتاً إلى أن "ما يحصل من انتهاكات وجرائم يتحمل مسؤوليته الجميع، باستثناء المتظاهرين الذين خرجوا للمطالبة بحقوقهم".

حق العيش بسلام

وشدد قائلاً: "حتى الآن لم نلمس تحركا دوليا تجاه الانتهاكات بحق المتظاهرين السلميين في العراق، كما أن دور المنظمات الدولية الكبرى بعيد كل البعد عن واجبها لحماية حقوق الشعب العراقي، وأولها حق العيش بسلام وأمان في ظل حكم ديمقراطي عادل".

وأسف لغياب دور الدول الإقليمي الإيجابي تجاه الأوضاع في بلاده، قائلاً: "العراقيون يتظاهرون للمطالبة بحقوقهم المشروعة والنظام الحاكم لم تعد له مشروعية بعد قتل وإصابة آلاف المحتجين السلميين وتعرض الناشطين لعمليات تصفية ممنهجة من قبل جماعات مرتبطة بالحكومة، وهذا أمر مخجل للعالم أجمع وحقوق الإنسان الدولية".

كما طالب الجنابي "الجميع بنصرة الشعب العراقي في ثورته وحقه بالعيش أسوة بشعوب العالم الأخرى"، لافتاً إلى أنه "لا يمكن أن يتحقق الاستقرار بقتل المتظاهرين وتصفيتهم بهذا الشكل الإجرامي".