ليس جديدا القول إنّ المهمة التي ينهض بها المعلمون من أشق المهن على الإطلاق، وليس المراد فقط الواجبات المسندة للمعلم كالتربية والتعليم، لكن ما يفاقم وضع المعلم اليوم هو أنه أصبح مجردا تماما من أية صلاحيّات تمكنه من الاضطلاع بمسؤولياته، أما الذي يبعث على القلق لدى القائمين على شؤون التربية والتعليم فإنه يتمثل في أنّ مهنة التعليم لم تعد المهنة الجاذبة كما كان الوضع قبل عقود وحتى سنوات، ولا أدّل على هذا من أن آلافا من المنتسبين إلى حقل التربية قرروا مغادرة المهنة عندما سنحت لهم الفرصة بمجرد الإعلان عن التقاعد الاختياري.
طبعا ليس الهدف الذي نرمي إليه هنا البحث في الأسباب التي جعلت الإخوة المعلمين يهجروا التعليم، لكن يمكننا أن نشير إلى أنّ المعلم لم يعد بوسعه ممارسة دوره كمرب عندما وجد نفسه غير قادر على الحد من استفزاز بعض الطلبة المشاغبين. إنّ أساس المعضلة كما يعبّر عنها المعلمون أنّ الوزارة أصدرت على مدى الأعوام الفائتة اللوائح والأنظمة التي تمثل عائقا أمام الهيئات التعليمية للقيام بواجباتها، ولعل ما ضاعف المعضلة أنّ نسبة من أولياء الأمور لا تقدر الجهود والأعباء الثقيلة التي تقع على كاهل المعلمين. لذا أصبح من الاعتيادي جدا أن يسارع ولي الأمر برفع شكوى إلى وزارة التربية والتعليم لأتفه الأسباب كأن ينهر المعلم الطالب لما يبدر منه من سلوك غير أخلاقي.
ربما يذهب خيال البعض إلى أننا نقر العقوبات البدنية التي من شأنها المساس بصحة الطلبة، لكنّ الواقع هو عكس ذلك تماما، وسبق أن أشدت شخصيّا بقرار أصدره وزير التربية والتعليم بتشكيل لجنة تحقيق بحق أحد المعلمين، حيث اعتدى هذا المعلم على طالب وكان قرار لجنة التحقيق هو فصل المعلم من المهنة وتم اتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة بحقه.
مسألة العقوبات البدنية أصبحت قضية جدلية في الأعوام الأخيرة ففريق من المربين يرون أنّ العقاب البدني ضرورة لابد منها إذا أردنا القضاء على السلوك السيئ لكن الذي توصلت إليه العديد من الأبحاث أن التعليم باستخدام أية عقوبات بدنية لا يمكن أن يفضي إلى أية نتائج إيجابية بل ينشئ جيلا مضطربا نفسيّا وفكريا.